يتخذ الخطاب البصري لدى (رهاب) مسارات رمزية دلالات تركيبية من خلال الرؤية الفنية التي تتجه في بعض مراحلها نحو المنطق من جهة والعالم الخيالي من جهة اخرى ، اذ تشتغل عبر توثيق مراحل معينة لزمن تشتت فيه العلاقات والارتباطات المجتمعية ، فهي تعمل للبحث عن العودة الى الحياة المليئة بالعفوية والصدق ، والى روح الحضارة والتراث ، وقد اشتغلت تلك الرؤى وفق معالجة تقنية ورؤيوية استمدت من الإنسان ذاته ، فكان للرجل والمرأة جزء كبيرا في حياة سطوحها التصويرية ، اذ شكلا بؤرة علاماتية في خطابها البصري تتضمن أبعاد ما ورائية .. أبعاد تحتضن جمالية لا تبتعد عن جماليات الروح والعقل ...
وان العديد من نتاجات منجزها الإبداعي اتخذ مسارا معاصرا لا ينفصل عن التوجهات المفاهيمية الحديثة ، فهي خطابات تعول على المنظومات العلاماتية لتمظهرات العالم الخارجي ممزوجة بالإحساس والإدراك الواقعي المنصهر بالانطباع والتجريد معا وعبر معالجات أدائية للخط والشكل واللون ..
ان الفنانة ( رهاب) تمتزج في نتاجاتها بين الروح والوجدان تارة والعقل تارة اخرى ، استطاعت ان تمسك العصا من الوسط كي تحاول الاتزان الذي أسقطته برؤيتها على سطح تصويري ممتع الى المتلقى ، اذ تجعل المشاهد يقف يتأمل تلك الخطوط والألوان ويحاول من خلال تلقيه الى البحث عن تناصات استطيقية ذات مغزى موروث ... لذا هي لا تبتعد عن مفاهيم بيئوية تلقتها عبر زمن ما ، إنها تحاول ان تجعل من خطاباتها وطن تلتجئ ، بل جعلت من سطوحها مأوى يعود بها الى الوراء لزمن تكون فيه الشخوص حاضرة ، الامر الذي مكّنها وعبر تلك الرؤية الفنية ان لا تنفصل عن مفاهيم ما بعد حداثوية عبر تطبيق مفهومي الحضور والغياب ..
ولا بد من الإشارة الى ان الصبغة الرومانسية وان كانت ذات طابع حداثوي ، إلا أنها تعالقت بشكل واضح ضمن نتاجاتها بغية عدم الابتعاد عن عالم شرقي مليء بالوجدان العاطفي ، فتكون (رهاب) وفق رؤيتها التكوينية سعت لتجسيد ضرورات داخلية استبطانية ذات منولوج عاطفي تجسَّد عبر عناصر خليقية قابلة للتأويل .. لقد استطاعت الولوج في حفرياتها للسطوح ان تنتج رؤى تغاير عالم الواقع بحيثياته البصرية المألوفة ، فهي لا تقف عند حدود السطحي او الحسي ، انما تستمد منه موضوعات وصورا تختزن في ذاكرة تتحول عندها بفعل ممارسات تخيلية الى صور فنية ، فهي تخلق ما لم يجد له حضور في عالم الواقع الا من خلال الصورة التي تم تدميرها وفق فعل تفكيكي .. ان الفنانة (رهاب) لها القدرة الحدسية والتخيلية ذات البعد الدراماتيكي الذي يعد وميض لصيرورة لا متناهية من تناص حضاري وإرث وجد له مكانا آخر في عالم الغربة المقلق ...
إن المتأمل لأعمال الفنانة (رهاب) يجد هناك بعض من الغموض الذي تحاول خلاله ان تجد ما لم تجسده هي ، وهذا يجعل نتاجها استنطاق للمخبوء ، فهي لا تكترث من جعل خطابها البصري يزاول فعل الصدمة والدهشة لدى المتلقي .. انها تعمل على تفاعل المتلقي مع الخطاب وهذا يعد من اولويات ما بعد ولادة النتاج الفني ؛ على اعتبار ان الخطاب التشكيلي موجه الى الاخر (المتلقي) ليعمل على قراءته وفق رؤاه التخيلية والمعرفية والثقافية ، وبالتالي ثمة صيرورة لامتناهية من القراءات المتعددة وهي تمتزج مع الطاقة الانفعالية والمكنونات الداخلية التي بثتها الفنانة (رهاب) عبر موضوع خطاباتها شكلا ومضمونا .. فتلك الخطابات تعد انفتاح واسع وبؤر متعددة للتأويل والاختلاف والتوافق والتباين مما يسمح للمتلقي بوجود مساحة واسعة لاقتراح قراءتها ومنحها حقوقا في الاقتراح والتجديد , لذا كان فضاء التأويل أكثر حركة ونشاطا وتفاعلا ، بالرغم من تجسيد صورا ورموزا للموروث الحضاري والانساني –كما اشرنا- باعتبار ان الفنانة (رهاب) استثمرت طقوسية ذلك الموروث بجماليته خطا وشكلا ومنحته طاقة استطيقية هائلة توزعت بفعل ممارسة بنائية في فضاء السطح التصويري .. ولعل الانسان والبيئة والعلاقة بينهما تعد بؤرة مركزية لجعل الفن والخطاب التشكيلي ملتزما.. بمعنى آخر ان الفنانة منحت لنتاجها مفهوم الفن للمجتمع او الفن الملتزم لكن برؤية فنية معاصرة توسمت التجريد البعيد عن التوصيف الكلاسيكي ..
ان (رهاب) تبحث بحدود اللقطة بصريا لكن برؤى تكوينية ذات مرجعيات ذاكراتية تزاوج فيها بين الاشتغال الأكاديمي – الى حد ما - تارة ، وخرق لهذا الأكاديمي تارة اخرى ، وان الأخير يعد سلطة العمل الفني لديها من خلال الإفادة من تشكيلات الخط والشكل وجعل الخطاب يمثل سيميولوجيا مفعمة بدلالات ومعاني ذاكراتية ، فهي تحاول مسك الخيط البعيد عنها زمكانيا وسحبه ليمثل الثيمة التي عبرها تجسد ما يسكن باستبطاناتها من جهة وذاكرتها وخزينها الجمعي من جهة اخرى ... انها تحاول جعل اللامرئي مرئي ....
* ملاحظة : يجب ان تكون هذه الاعمال مع الدراسة النقدية
Comments