قلّما تجد (كتابًا موضوعيا)، ونادرًا ما نعثر على (كاتب منصفٍ)، والمؤلم حقًا أن خلو النصوص المؤدلجة صار حلمًا يراود الكثيرين في زمن الفرجة، والتصنيف، والإقصاء والتصفية الفكرية على (الهويّة) في هذا الزمن الرديء يأتي كتاب (الرؤية الإسلامية للحياة.. من منظور المسلمين الشيعة) لمؤلفه عبّاس آل حميد ليعيد بوصلة الحياة الإسلامية إلى (الاتجاه الصحيح) المنحرفة – قصدًا وتعمدًا - بفعل عوامل التعرية الفكرية، والتجريف المتعمّد للتربة الوسطيّة -(عمود الخيمة للفكر الإسلامي المستنير) – التي ردحت دهرًا طويلا تحت معاول (مؤسسات التفكير العشوائي).
يأتي كتاب (عباس آل حميد) ليؤكد على جملة من الأهداف نجحت العديد من المؤسسات المتدثرة بعباءة الدين في إخفائها، والتعمية عليها، ووأدها في العقل الباطني للأمة لأغراض (سياسية بحتة) هي جزء من المؤامرة المنعقدة خيوطها منذ أزمنة طويلة لصالح أجندات خارجية، وداخلية على السواء. ومن هذه الأهداف التي أبانت عنها القراءة الأولى للكتاب:
أولا – نفي (المذهبيّة) جملةً وتفصيلا عن (صحيح الدين الإسلامي الحنيف)، والتأكيد على أنّ (تعدد الهيئات التعبّدية)، و(تنوّع الأحكام الفقهية)، و(توسّع مداخل الرؤية الدينية) للحياة ما هي إلا إثراء فكريّ، وتوسعة على الأتباع لا تضييقًا، وترغيبًا لا ترهيبًا، وتحبيبًا لا تنفيرًا.
ثانيًا – نفي (الطائفية) لفظًا ومعنى عن (أتباع الدين الإسلامي القويم)، والتأكيد على تعاضد الأمة بشرائحها الجغرافية كافة. وما تلك (الطائفية) إلا سياج وهمي صنعته (لوبيّات/ جماعات ضغط) سياسية في الداخل والخارج لإحداث قطيعة مع مكونات الأمة، واتخاذها ذريعة لتدجين الشعوب، و(فرض ثقافة القطيع) لتحقيق مصالح فردانيّة ليس إلا.
ثالثًا – نفي (العرقيّة) شكلا ومبنى عن (الجنس البشريّ كاملا)، والتأكيد على ذوبان الشخصية الإنسانيّة في المعاني الكليّة للإسلام والمقاصد الإجمالية للشريعة الإسلامية والنظر إلى العالم كوحدة متناغمة ومنسجمة مع وجودها، وتدور في فلك الوحدانيّة والربوبيّة دون تفرقةٍ أو تجزئة، واستمداد وحدة العالم وانصهاره في المعاني الكلية.
وبالتعمّق في قراءة (ظاهر النصوص، وبواطنها) داخل متن الكتاب نلاحظ المؤلف يحاول التركيز على القواسم المشتركة بين سائر مكونات الشخصية الإسلامية من ناحية، ومناطق الالتقاء بين الأحكام الفقهية، وعقيدة التوحيد من ناحية أخرى، مهملا عمدًا (الخلافات التناقضية المنفّرة) لدى العديد من الفقهاء من أصحاب الآراء التعسفية مسلطًا الضوء على قماشة التسامح الواسعة بين مكونات الفكر الإسلامي المعتدل.
ومن ثمَّ نوصي بضرورة النظر إلى كتاب (الرؤية الإسلامية للحياة.. من منظور المسلمين الشيعة) باعتباره جامعًا للوحدة الإسلامية، ومادًا لحبل الوصل بين مكونات الأمة، وداعمًا للتعاضد، ورتقًا لنسيجها الذي مزقته المشاحنات، ورأبًا للصدع الذي أحدثته الممحاكات الفكرية، ودفعًا لكل ما ينقض غزلها.
وليس من المبالغة القول بأنّ إدخال هكذا كتاب في مقررات ومناهج المؤسسات التربوية الموزّعة على خارطة العالم الإسلامي سيكون بمثابة طوق نجاة لكثير من الدارسين الذين ضربت عقولهم الأحكام الفقهية الجائرة والمتناثرة في الفضاء الإلكتروني والمتلفز بدون رقيب أو حسيب والتي طالت أيضا مقاعد الدرس في معاهدنا وجامعاتنا؛ بل صعدت على منابر مساجدنا ففتّتْ في عضد الأمة، وقطَّعتْ أوصالها، وصبَّت زيت حقدها على سماحتها، وأطاحت بكل علاقات التواصل بين مكونات الجسد الإسلامي.
نحن – أمة الإسلام – بتنا اليوم نبحث عن بصيص أمل يلمّ شمل الأمة، يوحِّد ولا يُفرِّق، يبني ولا يهدم، يصل ما انقطع، وينسج ما اقتطع، يشد بنيانها، ويُرسِّخُ قواعدها، ويُعلي شأنها نافيًا الزعامة الفردية ومعتدًا بالريادة الجماعية. ولنصل إلى هذا الهدف إلا بالاتكاء على كتب على مثال هذا الكتاب، تعتمد في منهجها على (تنقيح الفكر الإسلامي) مما شابه من شذرات الإقصائيين، والفردانيين، والمتصارعين على حلبة التقسيم والتجزئة من أجل زعامات فارغة.