واصل منتدى الفجيرة الرمضاني فعالياته حيث نظّم بالتعاون مع جمعية البدية للثقافة والفنون الشعبية ندوة بعنوان "التسامح مفتاح الرقي المجتمعي"، استضافها مجلس حمدان سليمان المرشدي في منطقة البدية بالفجيرة، برعاية غرفة تجارة وصناعة الفجيرة، وحضور حشد من المسؤولين والمثقفين وجمهور الشباب.
وأجمع الحضور في سياق نقاشات عدة تناولتها الأمسية، على أن دولة الإمارات أصبحت عاصمة عالمية للتسامح والمحبة والتعايش بين البشر، وهي تعد اليوم أنموذجاً للتفاؤل الإيجابي وعنواناً للمستقبل المشرق محلياً وإقليمياً ودولياً. وأكد الشباب أيضاً أن مؤسس دولة الإمارات المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، هو من رسخ قيم التسامح والتعايش واحترام التعددية الثقافية ونبذ العنف والتطرف والتمييز بين مكونات المجتمع الإماراتي كافة.
أدار الحوار الشاعر والإعلامي خالد الظنحاني، المشرف العام على منتدى الفجيرة الرمضاني، حيث استعرض محاور الأمسية الرمضانية، التي تناولت: "تعزيز دور الحكومة كحاضنة للتسامح، وترسيخ دور الأسرة المترابطة في بناء المجتمع، وتعزيز التسامح لدى الشباب ووقايتهم من التعصب والتطرف، وإثراء المحتوى العلمي والثقافي، والمساهمة في الجهود الدولية لتعزيز التسامح وإبراز الدور الرائد للدولة في هذا المجال".
وقال الظنحاني إن التسامح قيمة سامية متجذرة في الثقافة الإماراتية، موضحاً أن مؤسس دولة الإمارات وباني نهضتها الحديثة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، رسخ قيم التسامح والتعايش والتعاون والتضامن والوحدة الوطنية واحترام التعددية الثقافية وقبول الآخر ونبذ العنف والتطرف والكراهية والعصبية والتمييز في مجتمع الإمارات، وهو الأمر الذي أسهم في تكريس اسم الإمارات كعاصمة عالمية للتسامح والتعايش الإنساني.
من جانبه، أكد خبير التنمية البشرية والعلاقات الأسرية الدكتور شافع النيادي أن التسامح صفة من صفات الناجحين فهو العفو والمساهلة وطرد المشاعر السلبية تجاه الآخرين وإحلال محلها الود والاحترام والتقدير والتعاون فيما بين أفراد المجتمع، فالحياة لا تحتاج إلى الحقد والشحناء والتعقيد.
وأضاف إن هناك أمرين لا يجتمعان في كأس العواطف (قلب الإنسان) وهما المشاعر السلبية وهرمون المناعة، فالعلاقة طردية بينهما، فكلما زادت المشاعر السلبية ضعف وقل هرمون المناعة والعكس صحيح. لافتاً إلى أن التسامح راحة للنفس حيث يقول العلماء إن الأشخاص الذين يتلقون تدريباً على التسامح والغفران يتحسن لديهم تدفق الدم إلى القلب مما يساعدهم في الوقاية من السكتة القلبية، وبالتالي نستطيع القول إن الجمرة لا تحرق إلا قابضها وكذلك المشاعر السلبية لا تحرق إلا القلب الذي يحويها ويضمها.
وأوضح أن للتسامح أثراً كبيراً على المجتمع فهو يقوي الروابط بين أفراد المجتمع ويسود التعاون والود والاحترام والتقدير فيما بينهم، فضلاً عن الوصول سريعاً إلى حل للمشاكل المجتمعية والتعامل مع الظواهر السلبية الهالكة للمجتمع، وهذا له الأثر العظيم في رقي وتقدم المجتمع والدولة ويجعلها في مصاف الدول المتقدمة.
وذكر مهارات إتقان التسامح المتمثلة بالإخلاص لله تعالى في أعمالنا وإنجازاتنا، والتفاؤل والنظرة الإيجابية للمجتمع والأشخاص، والتعلم من خبراتنا السابقة والحذر من الفراغ؛ فالأفكار والمشاعر السلبية تنتشر بسرعة وقت الفراغ، بالإضافة إلى المبادرة بالاعتذار وطلب المسامحة عندما يشعر المرء بخطئه في حق الغير، ولنعلم أننا وجدنا لعظائم الأمور فلا نجعل من الأمور التافهة والخلافات عائقاً أمام تحقيق طموحاتنا وأهدافنا، علاوة على ذلك، نبتعد عن المناقشات والحوارات غير الهادفة والتي تزرع الفتن والمشاحنات بين الآخرين، وبالتالي نغذي عقولنا بالأفكار الإيجابية تجاه ذواتنا والآخرين ولا نماطل في الأفكار السلبية والوساوس، فهي من الشيطان.
من جهته، أوضح الكاتب والباحث الأكاديمي الدكتور أحمد علي الخزيمي أن التسامح قيمة سامية وراقية متأصلة في الثقافة العربية والإسلامية، فلها وجود تاريخي منذ بزوغ فجر الرسالة على يد نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ما كان جلياً في عدة مواقف مفصلية في التاريخ الإسلامي، مثل، ما قام به من تفصيل ورد في وثيقة المدينة بعد الهجرة التي بنيت على التعايش السلمي بين جميع أطياف المجتمع في المدينة رغم الاختلافات الدينية والعرقية، وكذلك موقفه "صلى الله عليه وسلم" يوم فتح مكة عندما سأل كفار قريش ما تضنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
وأضاف أن قيمة التسامح كذلك تأصلت في الشخصية الإماراتية حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الهوية الإماراتية التي تفردت بها عن أقرب أقرانها من المجتمعات، الأمر الذي أفضى إلى أن تحتوي الإمارات على أكثر من ٢٠٠ جنسية تربعت بها على قمة المجتمعات العالمية في التعايش مع الآخر تليها الولايات المتحدة ومن ثم بريطانيا، وهذه القيمة المتجذرة في الشخصية الإماراتية وجدت لها مكان القلب في سيرة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، فهذا الأب الحنون "رحمه الله" كان دائماً يرى بأن الإمارات وطن الجميع ولا يرضى بأي تميز أو تفرقه بين كل من استقل أرضه واستظل بسمائه لدرجة أن أصبح كل من يزور الإمارات أو يعيش فيها لمدة لا يشعر بغربة في أرجائه بل يشعر بأنه أحد أفراد المجتمع فيها لا تختلف معاملته عن معاملة أي مواطن فيها.
وأشار إلى أن الدولة قامت بترسيخ التسامح تشريعاً من خلال إصدار قانون مكافحة التمييز والكراهية قبل عام ليكون بمثابة الحامي لهذه القيمة والوقوف بموقف القوة ضد أي شخص يفكر بأن يمس بقيمة التسامح في الإمارات، وعُزز هذا الوجود التشريعي بآخر مؤسسي من خلال إقرار وزيرة دولة للتسامح في التشكيل الوزاري الأخير. مؤكداً أن قيمة التسامح في المجتمع الإماراتي هي قيمة راقية تحتاج منا كأفراد مجتمع أن نقوم بالمحافظة عليها من خلال غرسها في نفوس أبنائنا وحمايتهم بالمقابل من أي تطويع فكري متطرف قد يجتزئها من أصولها، ويتحقق ذلك بالجلسات الحوارية بين الأبوين والأبناء وكذلك بتكثيف التواجد المعرفي لهذه القيمة في المناهج الدراسية.
وقال خليفة خميس مطر الكعبي رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الفجيرة إن الشيخ زايد "رحمه الله" رجل التسامح الأول وهو الذي رسخ قيم التسامح والتعايش قبل الاتحاد وبعده، فقد اطلع "طيب الله ثراه" على حاجات الناس داخل الوطن وخارجه وأسهم في تنمية العديد من الدول العربية والإسلامية والعالمية من دون النظر إلى دينهم أو لونهم أو عرقهم. مؤكداً أن القيادة الرشيدة للدولة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان "حفظه الله" واصلت السير على هذا النهج الأصيل، بل وأبدعت في ترسيخه من خلال سن التشريعات والقوانين التي حافظت على سلامة المجتمع والدولة.
وذكر أن شعب الإمارات تربى منذ القدم على قيم التسامح والتعايش والمحبة المستمدة من تعاليم الإسلام الحنيف، فضلًا عن عادات وتقاليد أهل البلد التي أسهمت اليوم في رفع مكانة الدولة عالياً في المجالات كافة وعلى جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
وعقب عبد الله سعيد المرشدي رئيس مجلس إدارة جمعية البدية للثقافة والفنون قائلاً: ليس لدينا الوقت في هذه الدنيا للحزن والضيق والغضب من أي شخص، أو موقف محدد، فإذا غضبت من شخص فإنك تهدر طاقتك في الغضب والضيق والحزن، وبالتالي فإن الأفضل أن تظهر التسامح تجاه الآخرين. مشيراً إلى ان ديننا الحنيف حثنا على هذه القيمة السامية في القرآن الكريم وسنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
وأضاف: إن ما غرسه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" في وجداننا من فضائل وما تعززه قيادتنا الحكيمة اليوم في المجتمع من قيم سمحة، ارتقت بالإنسان الإماراتي والمجتمع والوطن.
ثم قرأ الشاعران أحمد الطوفان اليماحي وهزاع الظنحاني قصيدتين وطنيتين عبرا من خلالهما عن مشاعرهما تجاه الوطن؛ حاثين الشباب على التمسك بالعادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة التي تدعو إلى التسامح والتعايش والمحبة بين جميع أطياف المجتمع.
وفي نهاية الندوة، قام خليفة خميس مطر الكعبي يرافقه عبدالله سعيد المرشدي بتكريم مستضيف الندوة والمتحدثين بشهادات تكريمية تقديراً لجهودهم ومشاركتهم الفاعلة التي لاقت حضوراً مجتمعياً لافتاً.