لقد وهب الله للإنسان نعمة، هي من أعظم هباته للبشر، ألا وهي نعمة النسيان، فبدونها لانهار كثيراً من الناس تأثراً بمصائب وبأحداث مأسوية تمر بهم علي مدار حياتهم.
وليس شرط أن يكون حدة الإحساس بالألم الناتج عن حدث مأسوي بالنسبة لشخص بنفس درجة الحدة لدي الأخرين في حال حدوثه لهم، فدرجة التقبل للحدث نفسه تختلف من شخص لآخر، ويتوقف ذلك علي فروق فردية كثيرة بين الناس منها العمر، والخبرات الشخصية، والتجارب الحياتية، والأهم هو التباين الفطري لدرجة الإحساس والشعور من شخص لآخر، أو ما يُسمي بالثبات الإنفعالي.
علي سبيل المثال حينما يفقد الطفل لعبة يحبها أو يتم حتي إجباره علي عدم اللعب بها، فمن الممكن أن تكون هذه حادثة عظيمة بالنسبة له لكنها هينة علي من هم أكبر منه ادراكاً أو عمراً.
ومن أعظم المصائب التي تحتاج إلي النسيان في حياتنا هي مصيبة الفقدان، فلكل منا ما يرتبط به إرتباطاً وثيقاً سواء كان شخص أو فعل أو حتي فكرة، وإن فقده فسيؤثر فيه تأثراً كبيراً وتتوقف درجة هذا التأثر علي مدي إرتباطه بهذا الشئ. والنسيان ببساطة هو حل سحري بين تقبل وعدم تقبل هذا الحدث، فلو تُرك الإنسان لإختياره لما تقبل أي واقع أليم قد حدث له بالفعل لعدم قدرته العاطفية أو العقلية علي استيعاب ذلك.
لذا فالنسيان هو حلقة وسطية تعمل علي إنشغال الفرد عن هذا الحدث لفترة ما، ثم بعد ذلك يُصبح الأمر تدريجياً أقل حِدة نتيجة لمزيد من التعايش والتعود علي ذلك الواقع الجديد، وسنأخذ هذه النعمة أو الصفة (النسيان) كمثالاً للتحكم في اللاشعور، وذلك بإستحضاره وقت الحاجة اليها.
من قال انه ليس بيده النسيان فهو خاطئ، لأنه قادر عليه لكنه في واقع الأمر يرفضه من داخله، ولا يريد أن يضع نفسه علي بداية الطريق له، ومن قال أنه نسي تماماً فهو أيضاً يكذب علي نفسه، لأنه حينما قال أنه نسي حدث ما، فهو بذلك قد استحضر الحدث دون أن يشعر.
وللحديث عن النسيان أري أنه يجب أيضاً أن نعلم أنه سلاح ذو حدين، فهناك نسيان محمود، وهو ما يجعلنا نتغلب علي ما قد يمر بنا في هذه الحياة من أحداث مأسوية كما سردنا من قبل.
وهناك التناسي، وهو نسيان غير محمود وذلك بالإنخراط في البُعد عن أشياء ذات أهمية لدينا عمداً، ومحاولة السهو عنها مثل العبادات، وأداء الواجبات الاجتماعية، وكل ما هو واجب أو مفروض علينا، وما إلي ذلك من مثل هذه الأمور، وحينها يصبح النسيان نقمة وليس نعمة .
كيفية التحكم في اللاشعور؟
سنتحدث أولاً عن النوع الثاني من النسيان وهو التناسي الذي ذكرناه والتغلب عليه لأنه نقمة وغير محمود كما ذكرنا، كمثال لتطبيق التحكم في اللاشعور.
فان كان هناك ما هو ذات قيمة وأردت عدم نسيانه فيجب أن تتيقن بداخلك أنه بالنسبة لك بالأهمية التي تقتضي فعل ذلك وعدم نسيانه، ويحدث هذا بأن تضع هذا الشئ تحت بؤرة الإدراك بعقلك، وتفسح ما حولها من الأشياء في نفس المكان لألا تغيب عن ذاكرتك، ولكي تفعل ذلك فيجب أن تضع ترتيباً لأهمية كل ما يتعلق به ذهنك وما يحدث لك وعلي حسب هذه الأهمية تستطيع أن تضع مقياساً تحافظ به علي وجودها بذاكرتك، وتتحكم بمقدار وقت هذا الاحتفاظ داخلها، وإليك المعادلة التالية... كلما زادت الأهمية لشئ ما لديك, كلما قل إحتمال نسيانه، وكلما طال وقته بذاكرتك.
وعلي العكس تماما يتم التطبيق علي النوع الأول من النسيان والذي هو محمود بالنسبة لك، فحينما تريد التخلص من شئ مأسوي بحياتك من ذاكرتك ونسيانه، فيجب أن تُخرجه من بؤرة الإدراك بعقلك , وذلك بأن تفسح لغيره من الأحداث الأخري مجالاً لكي تجبره علي الخروج من ذاكرتك شيئاً فشيئا، وذلك بأن تضع معايير أكبر أهمية لأحداث غيره وإن كانت في حقيقتها غير ذلك داخل ذاكرتك، لكي تحتل إهتمام أكبر، فيتلاشي هذا الشئ المؤثر من ذاكرتك بسببها ويُمحي تدريجياً، وتكون المعادلة حينها كالتالي... كلما قلة الأهمية لشئ لديك، كلما زاد إحتمال نسيانه، وكلما قل وقته بذاكرتك.
لذا أردت أن أشير في هذا الموضوع أن هناك إشارات للتحكم بالعقل وتعتقد أنها لا إرادية وهذا غير صحيح، لأنك أنت من يُرسلها، ولكنك ينقصك أن تعلم كيفية إرسالها، أو بالأحري التحكم بها.
فكن علي يقين بأنه يمكنك التحكم بها علي قدر إدراكك لحقيقة ما تريد، وأنك قادر علي كيفية التحكم، والتعامل معها، بالتالي تستطيع أن تستحضر بواسطتها ما يلزمك في وقت الحاجة إليه من مختلف المشاعر، فتصبح الأحداث التي تمر بك أكثر يسراً، وواقعك أفضل حالاً.
في هذا الحديث كان المثل علي التحكم في اللاشعور هو إستحضار مشاعر النسيان أو إستبعادها، وفي الحديث القادم ان شاء الله سيكون عن مشاعر الحب والكره وكيفية التحكم بهما.
Comentarios