top of page

محمد الدكروري يكتب: الدكروري يتكلم عن الأسرة


لقد جاء الإسلامُ والعلاقاتُ الأسريَّة في فوضى وانحلال فأراد إنقاذَ البشرية من هذا السوء ، لذا جعل الإسلام الأسرةَ هي وحدةَ بناء المجتمع، وأحاطها بسياجٍ كبير من التشريعات التي تضمن لها الجديةَ والنجاح بإذن الله ، وأن الإسلام ينظر إلى الأسرة نظرة شاملة فأوصى الإنسان بصلة الرحم حتى يتماسك المجتمع، متسائلاً: فكيف ننادى بتماسك المجتمع والبنية الأساسية للمجتمع بها تلف والأسرة الواحدة لا يصافحون بعضهم، موصياً المسلمين بالتماسك داخل البيت الواحد وبين الأخ وأخيه والعم والخال وكذلك الجيران لأن نبينا الكريم أوصانا بترابط المسلمين بجيرانهم.

وقد وصلتْ عنايةُ الإسلام بالأسره إلى درجة كبيرة، حتى إن هذه العناية امتدتْ إلى ما قبل تأسيسها في مُحَاوَلة إلى انتقاء عناصر بنائها بما يحقِّق التلاؤُم، والانسجام، ويُقَلِّل من دوافع الفشل لبنيانها، بل إنَّ الإسلامَ حَثَّ أتباعه على المساهَمة في تكوين هذه الأسرة عبر وسيلته المشروعة وهي الزواج، الذي اعتبره الإسلامُ إحدى سُنَن الله في الخلق لما يحققه من مقاصد في الحياة الإنسانية.

لذلك جعل الإسلام الزواجَ السبيلَ الوحيد لتكوين الأسرة، بالشكل الذي يحفظ الحُرُماتِ والأنسابَ، ويُلبِّي الغرائزَ الطبيعية في إطار من العفَّة والخصوصية، ويحقق لطرفي الزواج ما يبحثان عنه من السكن والاستقرار، وامتنَّ عليهما بإسباغ المودة والرحمة على تلك العلاقةِ الشريفة، وإن الكثير من الناس يلتمس السعادة والراحة في بيته.

وينشد الاستقرار وهدوء النفس والبال، كما يسعى في البعد عن أسباب الشقاء والاضطراب، ومثيرات القلق، بل ويسعى سعياً حثيثاً من أجل إدخال السعادة والسرور على نفسه وأهله وأولاده، فتراه يبذل كل غال ورخيص من أجل ذلك ، والبيت هو محل السكن للمسلم، وفيه ينال راحته من عناء العمل الطويل، وعبر الجلوس فيه يتقلب بين شؤون أهله وأولاده، والقيام بحق ربه، وحق من حوله.

والبيت هو المكان الوحيد الذي يبتعد فيه المسلم عن مخالطة الناس، وفيه يجد الراحة والاستجمام، ونيل الهدوء والاطمئنان، وتجديد نشاط الأبدان، والاستمتاع بالجلوس مع الزوجة والأولاد، والبيت هو الذي ترفرف عليه راية التوحيد، ويسمع فيه صوت القرآن، وتنزل فيه السكينة والاطمئنان، تجد فيه أهل البيت حريصين على القيام بطاعة الرحمن، من أداء للصلاة، وتلاوة للقرآن، وصلة للأرحام، والإحسان إلى الجيران، فتراه منبعاً للخير، وعوناً للأولاد على التنشئة الطيبة الكريمة، ففيه يتربون على محاسن الأعمال والأخلاق.

وفيه يتخرجون بهمة لنفع دينهم وإخوانهم المسلمين، وفيه يتنافسون على الخير من بذل للصدقات، والإحسان للفقراء، وقضاء الحاجات، والسعي وراء كل عمل يوصل إلى مرضاة رب الأرض والسماوات، ولكن أين هذا البيت من بيوت المسلمين الآن؟ أين هذا البيت الذي يشع نوراً ينتفع به القريب والبعيد؟ أين هذا البيت من بيوت عامرة بما لا يرضي الله عز وجل وعلا؟

ولنعلم جميعا أن الأمن والأسرة يوجد بينهما ترابط وثيق، يكمل أحدهما الآخر، فلا حياة للأسرة إلا باستتباب الأمن، ولا يمكن للأمن أن يتحقق إلا فى بيئة أسرية مترابطة، وجو اجتماعي نظيف، يسوده التعاطف والتآلف، مشيرا إلى إن هذا الدور لا يتحقق إلا فى ظل أسرة واعية تحقق في أبنائها الأمن النفسي، والجسدي، والغذائي، والعقدي، والاقتصادي، والصحي، بما يشبع حاجاتهم النفسية والتي ستنعكس بالرغبة الأكيدة في بث الطمأنينة في كيان المجتمع كله، وهذا ما سيعود على الجميع بالخير الوفير.

وينبغي أن تجعل الأسرة المسلمة تربية أولادها وتنشئتهم التنشئة الصالحة من أولى مهامها، مطبقة تعاليم الإسلام وشرعه في شتى مجالات حياتها، مدركة أن نجاحها يكمن في إخراج أبناء صالحين تنتفع بهم ويمتد نفعهم إلى الأقارب والمجتمع والإنسانية عامة، كما ينبغي أن تبتعد الأسرة عن إرهاب ناشئتها وتخويفهم منذ الصغر ومنعهم من تحقيق مطالبهم عن طريق إشباع رغباتهم لأن توفير الأمن والشعور به منذ الصغر يحدد شخصية الطفل، وأن تسعى الأسرة في إيجاد جو يسوده الوئام والتعاطف والتراحم داخل الأسرة لأن الناشئة إذا نشئوا في جو يسوده ذلك تحقق فيهم الأمن والاستقرار وبالتالي حققه في مجتمعهم.

وإن للأب وللأم دورا مهما في غرس الفضائل والشمائل والصفات الحسنة عند الأبناء حتى ينشأ هؤلاء الأبناء وهم في صحة نفسية وجسدية واجتماعية وأخلاقية ، وعندما تقدم الأسرة أبناء بهذه المواصفات فإنما هي تقدم وتسدي للمجتمع أهم خدمة وأهم شيء، فلولا الأفراد الأصحاء بدنيا وعقليا واجتماعيا ودينيا وأخلاقيا لما نهض المجتمع ولما أصبح مجتمعا قويا منتجا معتمدا على سواعد أبنائه وقدراتهم.

وإن بناء الأسرة له دور كبير في قوام المجتمع وبنائه وأمنه واستقراره، وبناء الأسرة يتمثل في إعطاء الأولاد مجموعة من الحقوق الإسلامية، وقد جمعها ولخصها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد ” جاءه رجل يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وابنه وأنَّبه على عقوقه لأبيه، ونسيانه لحقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟

قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب ( أي القرآن )، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جُعلاً ( أي خنفساء )، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً ، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إليَّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك؟

ومن خلال أثر سيدنا عمر نجد أن بناء الأسرة يبدأ وقت استقبال المولود وذلك باتباع السنة من تحنيكه بالتمر والدعاء له وحلق رأسه والعقيقة عنه وتسميته بأحب الأسماء وختانه، لذلك حثنا النبى الكريم صلى الله عليه وسلم على اختيار الاسم الحسن ، فكان إذا رأى اسماً قبيحاً غيره، فقد غير النبى الكريم صلى الله عليه وسلم اسم عاصية وقال أنت جميلة، وسمى حرباً سلماً، وشعب الضلالة سماه شعب الهدى، ولما رأى سهيل بن عمرو مقبلاً يوم صلح الحديبية قال سهل أمر كم.

وإنكم مسئولون عن أسركم وأولادكم يوم القيامة؛ وبين ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله:” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” ( متفق عليه) وقال أيضاً: ”إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ ، أحفظَ أم ضيَّعَ؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه".

وقد ضرب النبي الكريم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لنا المثل والقدوة في التربية والتأسيس، فعن ابن عباس قال كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا فقال:” يا غلامُ ، إني أعلِّمُك كلماتٍ : احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ".

وإن الصاحب إذا كان صالحاً سيأخذ بيديك إلى الجنة، وإن كان طالحا يجرك إلى جهنم جرا، فعن ابن عباس قال: "كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً فدعا إليه أهل مكة كلهم، وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم ويعجبه حديثه، وغلب عليه الشقاء فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعاماً ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فقال: ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. فقال: أطعم يا ابن أخي، قال: ما أنا بالذي أفعل حتى تقول، فشهد بذلك وطعم من طعامه ، فبلغ ذلك أُبي بن خلف فأتاه فقال: أصبوت يا عقبة؟

وكان خليله فقال: لا والله ما صبوت، ولكن دخل عليَّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم، فشهدت له، فطعم ، فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك حتى تأتيه فتبصق في وجهه ، ففعل عقبة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف، فأسر عقبة يوم بدر فقتل صبراً ولم يقتل من الأسرى يومئذ غيره".

إذن تبدأ المسؤولية والأهمية من الأسرة، فالأسرة التي تربي أبناءها وتنمي قدراتهم وتغرس في نفوسهم حب الخير وحب الناس وحب العمل وحب الوطن والتمسك بالأخلاق والشمائل الإسلامية، والدفاع عن الوطن من الأعداء والحاسدين، إنما هي تقوم ببناء المجتمع، أما تلك الأسرة التي لا تهتم بأبنائها وتترك لهم الحبل على الغارب ولا تنشئهم تنشئة اجتماعية سليمة، إنما هي تهدم المجتمع.

وإن الاهتمام ببناء الأسر وبناء المجتمع يبدأ من الاهتمام بالأطفال وتربيتهم وتنشئتهم تنشئة سليمة، الذكور والإناث، فمهام ووظائف وأدوار الأسر تبدأ مبكرا منذ نشأتها الأولى ومنذ إنجابها لأول طفل ، ويقاس مدى رقي المجتمع بما لديه من ثقافة متنوعة ومتقدمة وبالتربية الصالحة، والإسلام يهتم بتربية الفرد، والمجتمع يرعى أفراده ويعمل على رفع شأنهم ، والمجتمع ما هو إلا عبارة عن عدد من الأفراد والأسر، والطفل يحتاج إلى رعاية والديه والأسرة، وهو يكتسب منهم وممن يحيطون به الخبرات والمهارات والعادات وقواعد السلوك، التي تجعله يتلاءم مع مجتمعه.

والأسرة التي لا تهتم بأطفالها فهي لا تقدم للمجتمع إلا الشر والضرر، فمعظم المخربين والجانحين والمجرمين هم من الذين لم تهتم بهم أسرهم وأنشأتهم تنشئة غير سليمة وربتهم تربية طالحة سيئة، وهي تلك الأسر التي جرت خلف المادة وخلف المشاكل والخلافات، فلم تهتم بأبنائها، وبالتالي أفرزت وأخرجت إلى المجتمع رجالا مخربين وجانحين ومنحرفين، وإننا إذا بنينا الأسرة على هذا الأساس السليم القويم شمخ البنيان، ونجحنا في تقويم الأولاد، فنحن نكون قد حصلنا على أسرة صالحة، ومن مجموع الأسر نحصل على مجتمع فاضل تسوده المحبة، ويسري فيه الصلاح، ويكثر بينهم التعاون والتناصح والتآلف والتكاتف.

فعلى كل شاب أن يحافظ على زوجته، وطاعة الزوجة لزوجها واجب دينى، وضياع الأجيال ينشأ من تدمير الأسر بسلوكيات الأبوين، وعلى كل إنسان مسئول عن أسرة ألا يترك الحبل على الغارب أو يكون قاسيا وكل كلمة طيبة للزوجة صدقة وكل نفقة عليها صدقة وإخلاصها لزوجها طاعة لله، ومن هنا كان بناء الأسرة الصالحة مطلبا يحتاج لعقل وقلب سوي ويتضح منه، الخير الذى يريده الله لبناء أسرة وبين الشر الشيطانى لتدمير مجتمع.

Comments


bottom of page