top of page

عبدالحميد مصطفى يكتب: على حبك ما لي حبيب


الحياة الباذخة والسعة في الرزق تجعل من الإنسان العاقل أكثر تواصلا مع قيمه وذاته وأكثر شفافية وتقربا إلى الله عز وجل، الذي من عليه بنعمه وغمره بعطائه وفضله وهو يدرك ملء جوارحه وأحاسيسه إن الذي أعطاه كل هذا النعيم يمكن أن يزيله عنه ويرده أسفل سافلين بل و أن يحرمه من نعم أخرى كثيرة هي أعظم من نعمة المال كنعمة الصحة والعقل و...الستر وراحة البال و...الزوجة الصالحة والأبناء الصالحين وأنى لمن يملك المال ويحرم من هذه النعم أن يتمتع بماله وان يشعر بطعم الحياة ونعيمها.

هذا يسوقنا للحديث عن واقعنا الاجتماعي وما نلاحظه على بعض الذين وهبهم الله نعمة المال وسعة الرزق فاعتقدوا غرورا إن الله شرفهم به ورفع مراتبهم من دون بعض الناس أو اعتقدوا " وهذا الأمر أكثر ظلما " إنهم إنما كسبوا المال بذكائهم وجهدهم وعبقريتهم وإنهم قد تعبوا وجدوا واجتهدوا كثيرا للحصول عليه وانه لا فضل ولا حق لأحد فيه حتى وان كانوا من الفقراء والضعفاء والمساكين فاتخذوا لأنفسهم من دون أولئك الفقراء مجالس ونوادي للأغنياء والأثرياء فقط واستأثروا بأموالهم وبخلوا بها عن فعل الخير فلا ينفقون إلا لمصلحة ولا يقدمون مساعدة إلا مقابل فائدة ترجى أو غاية دنيا ، لا حبا فى عمل الخير وطاعة وتقربا لله الغنى الكريم.

أولئك هم من يكنزون الذهب والفضة والذين يحبون أوطانهم حب التاجر لبضاعته ودكانه وحب المزارع لبقرته فان بارت التجارة أو ضمرت البقرة وانقطع حليبها بحث التاجر عن تجارة أخرى وباع المزارع بقرته للقصاب بثمن بخس لتباع لحما للآكلين، لم يكن الوطن بالنسبة لهؤلاء إلا مجرد دكان كبير يذر الأرباح وفندقا فسيح للإقامة والاستجمام فان خسر ذلك الدكان او ساءت خدمات ذلك الفندق فان الوطن يعنى مكانا آخر غير أوطانهم، فالهوية لا تعنى عندهم شيء والأصالة لا تهمهم والوطنية كذلك في شيء، فالوطن بالنسبة لهم هو المكان الذي يعيشون فيه والهوية هي اللغة التي يتخاطبون بها والانتماء والولاء لمن يمنحهم فرصة الربح والثراء، هذه هي حياتهم وأهدافهم لا شيء فيها غير المال وكل ما يتعلق به من مصالح ومنافع حتى وان كانت على حساب المبادئ والقيم والأصالة وحب الوطن والإخلاص له.

فهل يحدث هذا بسبب وفرة المال وكثرة الرزق واتساع الأملاك؟؟ أم بسبب شيء آخر ليس له علاقة بالمال إننا نعرف بعض الأغنياء ممن لم يفعل المال فيهم هذا الفعل ذلك لأنهم يفرقون ما بين المال وما دونه ويدركون ان المال وسيلة وليس غاية ولا هدف، وان السعادة التى يبحث عنها الجميع لا يطالها إلا من تزود بالقناعة والحكمة وحب الله ورسوله والاعتزاز بانتمائه لوطنه والإخلاص له وعاش حياة بسيطة متواضعة عامرة بفعل الخير والمعروف ومساعدة الناس وتحسس أحوالهم ومجالستهم والمساهمة فى الأعمال الخيرية والإنسانية التي تخدم الوطن والمواطن وتساهم فى حل مشاكل الناس وخدمتهم.

أما من أفسد المال أعماله فقد افسد الله عليه عاقبة أمره وحرمه من طيب العيش ومتعة الحياة الحقيقية التي لا ترفع من قدر الغنى بقدر ما ترفع من قدر الإنسان التقى، الذي يتقى الله في نفسه وماله وأهله ووطنه فلا خير في مال لا يسخر في خدمة الوطن والمواطنين ولا حاجة لنا بمن يبيع وطنه ببطنه وبمن يجنى الملايين من خيرات بلادنا الطيبة وهو من يتنكر لها ويترفع عن الإقامة فيها وشغل عقله أو تسخير علمه وماله لخدمتها والدفاع عنها ولو بكلمة حق..

مكتوب اسمك يا بلادي ** على الشمس ألي ما بتغيب

لا مالي ولا أولادي ** على حبك مالـــــــي حبيب

Comments


bottom of page