top of page

خربشة بقلم: عبدالحميد مصطفى


الكتابة بقلم الرصاص تذكرني بخربشاتنا ورسوماتنا الطفولية بالفحم أو الطين على بعض جدران البيوت وأرصفة الشوارع ، نفعل ذلك ونحن عائدين من المدرسة فيلاقينا الحاج الهادي (رحمة الله عليه) بصرخاته (( يا ولد الـ .... لا تخربش على الحيط )) ورغم تعرضنا للضرب مرارا وتكرارا ورغم معرفتنا ان ما نفعله كان خطأً فادحا إلا أننا بتعنت وإصرار عجيبين نكرر فعل ذلك مرة بعد الأخرى غير مكترثين بالعقاب الذي ينتظرنا ذلك لأن رغبتنا في الخربشة والرسم على اى شىء متاح كانت أكبر من أن نتخلى عنها في الوقت الذي لا نجد فيه أقلاما ولا ورقا إضافيا غير اوراق كراساتنا لممارسة الرسم والخربشة وتفريغ شحناتنا الإبداعية الطفولية التي لا تخلوا من السخرية والمدح والذم والمنافسة واثبات الذات الإبداعية.

وإن لم تكن الفرصة مواتية آنذاك لإبائنا الأميين البسطاء لأن ينتبهوا لمواهبنا وميولنا ورغباتنا فى الخربشة أو يفطنوا لحقنا فى ممارسة هذا العبث الإبداعي الذي نمارسه باستمرار فإنهم ولأسباب مادية أيضا لم يكن بمقدورهم ان يوفروا لنا ورقا بديلا عن الجدران ولا أقلاما بديلة عن الفحم كما نفعل اليوم نحن مع أطفالنا ومع هذا فان خربشتنا لم تتوقف فقد طالت كل شىء تقريبا حتى المقاعد المدرسية وجدران الفصول وحقائبنا وكراساتنا المدرسية وقد كانت لدينا رغبة هائلة فى الخربشة والرسم والكتابة والنقش وكنا لا نجد مكانا غير ما ذكرت فحصة التربية الفنية لا تكفى لإشباع رغباتنا الإبداعية فهي غالبا ما تكون مواضيعها إجبارية ومكررة لا تتماشى ورغباتنا النفسية ولا تطلعاتنا الإبداعية المبكرة.

ومن تلك الخربشات والرسومات البسيطة بدأت مواهب الكثير من التلاميذ في النمو والتطور يوما بعد يوم إلى أن أثمرت فنانين كبار وكتاب وشعراء مبدعين وخطاطين رائعين وصحافيين مهمين. كل هذا في زمن غابر لا نجد فيه المساعدة او التشجيع وإنما كنا نلاقى اشد العقاب على خربشة حقائبنا وكراساتنا المدرسية وتشويه الحوائط والأيدي والملابس التي نرتديها وعدم تفهم و تقدير مواهبنا ونحن تلاميذ صغار لم نتجاوز مرحلة التعليم الابتدائي بعد ، فكيف اليوم وقد تغير الحال وزاد الاهتمام ووجد التلاميذ الآن من يساعدهم ويصقل مواهبهم ويوفر لهم الألوان والأقلام بدل الفحم والورق وألواح الخشب والقماش بدل الجدران ليعبروا عن ذاتهم الإبداعية و ذائقتهم الفنية بما يشاؤن من الخطوط والرسوم والكلمات ووجدوا من يشجعهم على خربشاتهم الإبداعية بالشكر والثناء والجوائز ونشر أعماله وعرضها في معارض فنية أو عبر وسائل الإعلام المختلفة و في ظل هذه الظروف الإبداعية الملائمة وتوفر الإمكانيات والوسائل لتلاميذ اليوم فإننا نطمع أن نكسب جيلا متوازنا متحررا من العقد النفسية قادرا على التعبير عن نفسه وعن غيره بما يمتلك من ذائقة فنية رفيعة وحس وجداني مرهف يساعد كثيرا على نمو المجتمع وتطوره وتقدمه بعيدا عن مظاهر الإعاقة الفنية والتلوث البصري والسمعي وغيرها من المشاكل والمعضلات التربوية والوجدانية التي عاصرتها الأجيال الماضية والتي هي الأخطر بكل المقاييس من أعاقة الحواس والبدن.

Comentarios


bottom of page