سرعان ما انتقل بنا الوقت من أيام الطفولة والصبا إلى أواخر أيام الشباب دون أن نشعر بمروره السريع الذي يفوق سرعة الصوت إن لم تكن سرعة الضوء.
هذه الأيام التي مرت أخذت معها الكثير من متاعنا وأنفاسنا وأحلامنا وآمالنا وأصدقاءنا الطيبين، فأين هي ملابس طفولتنا وأحذيتنا وألعابنا وآثار أقدامنا وضحكاتنا وصراخنا الطفولى الجميل؟
أين هي كراساتنا وأقلامنا وكتبنا وحقائبنا المدرسية ونحن تلاميذ صغار في مراحل الدراسة الابتدائية؟
وأين هم الأطفال الذين كانوا معنا وأين هي مقاعدنا المدرسية التي كنا ندس فيها حقائبنا ووجبات إفطارنا ويأخذنا النعاس عليها لنستيقظ على دقات أصابع المدرس وهو ينبهنا إلى الدرس؟
وأين معلماتنا ومعلمينا الأجلاء بعد مضى كل هذه السنوات؟ أين راحت بصمات أيدينا وآثار أقدامنا ونحن نلهو في فناء المدرسة وزواياها المختلفة وفي الشارع في طريق عودتنا إلى بيوتنا؟
إنها ذهبت بحيث لا يمكن أن تعود انسلخت عنا وانسلخنا عنها لنبدو بشكل آخر ونعيش في أمكنة أخرى ونرتدي ملابس وأحذية أخرى فنتبدل تماماً وكأننا ما كنا أولئك الأطفال المرحين الذين لا يملون السؤال ولا يتعبون من اللعب واللهو والصعود من أسفل إلى أعلى والقفز من أعلى إلى أسفل.
لقد ارتدينا ثيابا أخرى ثقيلة لا تسمح لنا باللهو ولا بالجري ولا بالقفز ولا حتى بالضحك من أعماقنا، ثياباً مغايرة لما ألفناه في مدارسنا وشوارعنا ومع أصدقائنا القدامى الذين رحلوا مع رحيل تلك الأيام وتفرقوا عنا كما تتفرق حبات القمح عن سنابلها وثمار البلح عن عراجينها فراقاً لا بد منه.
أصدقاء حياة الطفولة هم الراسخون في ذاكرتنا وقلوبنا ولا يمكن أن ننساهم لأنهم أصدقاء أجمل مراحل الحياة وأنقاها ولأنهم أصدقاء أكثر مراحل العمر حيوية ونشاطا.
كيف لنا أن ننساهم ونحن لا زلنا نتذكر حتى ألوان ثيابهم وأشكال أحذيتهم وحقائبهم وطريقة تسريحة شعرهم؟!
كيف ننساهم ولا زالت أصواتهم ترن في مسامعنا ولا زلنا نحفظ أسماءهم وألقابهم ونحتفظ بصورهم في متخيلاتنا؟!
إننا لا نزال نعرفهم جيدا حتى وإن فقدناهم وتبدلت عناوينهم وعاش منهم من عاش ومات منهم من مات وان كنا لا نكاد نلتقي إلا بالقليل منهم مصادفة في مكان عام أو على الطريق ونحن مسرعين في اتجاهين متعاكسين.
أينكم أيها الأصدقاء القدامى؟ إننا اشتقنا لكم ولم يعد يذكرنا بكم اليوم غير أبنائنا وهم يتجهون إلى المدارس كل يوم رفقة أصدقائهم الذين يحبونهم كما أحببناكم.
يا ترى أين سنكون نحن عندما يجرى الزمان سريعاً على أبنائنا كما جرى علينا؟
لا شك في أننا سنكون حيث آباؤنا ألان بعيداً عن كل ما يكدر صفو الحياة.
Comments