top of page

فقراء ولكن!!


تمر مصر بأزمة اقتصادية كبيرة، وعميقة، بعد مرورها بثورتين متتاليتين، مما أدى إلى تحرير سعر صرف الجنيه، وانخفاض قيمته. كان لهما الأثر البالغ على الحياة المعيشية للمصريين. مرددين شكواهم حول زيادة الأسعار، وزيادة نسبة الفقر، وزيادة نسبة البطالة، وعدم قدرتهم على مواكبة مستجدات الحياة ومطالبها. ولكننا لا نشاهد هذه المعاناة على أرض الواقع. فالنزعة الشرائية للمصريين زادت أضعاف ما كانت عليه مسبقاً. فلماذا هذا التناقض المثير للشفقة!

ومن المعروف أنه عند حدوث ما يسمى بظاهرة "التضخم"، في أي دولة، والناتجة عن زيادة إجمالي الطلب عن العرض المتاح، وتبعاً لذلك يقوم الشعب بتقليل نسبة طلبه على المعروضات، وتحقيق التوازن بين حجم الدخل والطبيعة الشرائية. ولكن في مصر يسير الناس دائماً عكس الإتجاه، "فنحن شعب مميز بطبعه". فالمصري يميل بطبعه إلى الوجاهة الإجتماعية، والإحساس بالثراء، والإهتمام بالمظاهر كنوع من إشباع نزعته النفسية.

ونال السلوك الشرائي للمصريين استغراب واستهجان الكثيرون. فالكثير من سكان مصر غير قادرين على الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من المأكل والمشرب، ومع ذلك نجدهم عند الإعداد لمراسم الزواج يشترون من الشيء شيئين، ففي بعض المدن الريفية يشترون من الغسالة ثلاث، واحدة أوتوماتيك، وواحدة نصف أوتوماتك، وواحدة لملابس الأطفال، وثلاجة، وفريزر، وتكيفات لزوم "الفشخرة"، وتلفاز لكل غرفة نوم، ومئات المناشف وأغطية الأسرة، لتكفي الأحفاد في المستقبل، ولوازم "النيش" وما أدراك ما لوازم "النيش" ، ولا ننسى اسوارة أم العريس أولاً. ونجد في المناطق الريفية شديدة الفقر، قيام والد العروسة بإهداء الماشية للعريس قبل العروسة. وبعد هذا كله ينتهي بهم المطاف في ساحة المحاكم..

ويزداد المصريون رونقاً في شهر رمضان الكريم، فنجدهم يتسابقون على من يطهي الكمية الأكبر من الطعام، ليتخلصوا من نصفه في سلة المهملات. إن كمية "الزبالة" في مصر خير مثال على غناها..

فكيف لرب الأسرة الذي يتقاضى راتباً يصل إلى ألفين جنيه وأقل، أن يعطي دروساً خصوصية لأبنائه الخمسة في جميع المواد، ومن شدة فائض راتبه يعطي لابنه درسين في المادة الواحدة. فمثل هذا الأب لابد أن يحصل على جائزة نوبل، فيما حققه من توازن بين راتبه ومتطلبات الحياة من مأكل ومشرب وملبس. فكيف تشتكون وأنتم ترتكبون مثل هذه التصرفات الهوائية. فهؤلاء لا يناسبهم الشكوى بضيق الحال، فاتركوا الشكوى لمن يستحقها..

ومن وجهة نظري، أن السلوك الشرائي غريب الأطوار للمصريين، كان نتيجة لما تعرضه بعض وسائل الإعلام المصري من مواد درامية وإعلانية وغيرها، مستخدمة في ذلك مؤثرات الصوت والصورة الملونة عالية الدقة، والإستعانة بالشخصيات المؤثرة، لإقناع المشاهد بأن ما يشاهده هو ما سيحقق له الإشباع والرفاهية، وإثارة غريزته نحو شراء ما يشاهده في هذه المواد. فما يهمهم في المقام الأول هو تحقيق المكاسب على حساب المواطن "المطحون" مع مطبات الحياة. فهم لا يهتمون بالضرر الذي سيعود على المواطن من تدهور في أحواله المعيشية، لرغبته الدائمة في الشراء، مهما كانت الظروف. لنعود ونؤكد أننا فقراء ولكن!!.

Comments


bottom of page