فن التطريز في فلسطين ولبنان ومصر والمغرب
- saad25105
- 4 مارس
- 2 دقيقة قراءة

سيلينا السعيد
العربي: خيطٌ من التراث يروي حكايات الشعوب
فلسطين: التطريز كهويةٍ مقاومة
في فلسطين، لا يُعتبر التطريز مجرد فن تقليدي، بل هو وثيقة إثبات للوجود، ولغة غير مكتوبة تحكي عن الأصالة والانتماء. تُطرّز النساء أثوابهن بأنامل مغموسة بتاريخ مدنهن وقراهن، فتصبح كل غرزة شاهدة على الجذور التي لم تُقتلع رغم الاحتلال والتشريد.
يحمل التطريز الفلسطيني رموزًا غنية، فالنجمة الثمانية التي تزين الأثواب في بيت لحم هي انعكاس للقداسة والروحانية، والمثلثات في ثوب الخليل ترمز إلى الصلابة، فيما تحمل الورود والزخارف المستوحاة من الطبيعة دلالات الخصوبة والاستمرارية.
الأثواب المطرزة ليست مجرد ملابس، بل صرخة صامتة تؤكد أن الوطن محفورٌ في نسيج الروح كما هو محفورٌ في القماش.
لبنان: بين البساطة والأناقة الراقية
يُعرف فن التطريز في لبنان ببساطته الأنيقة، حيث تمتزج التأثيرات الشرقية والغربية في نقوشه. تأخذ الزخارف اللبنانية طابعًا ناعمًا، وتعتمد على الخيوط الحريرية الذهبية والفضية التي تزين القماش بحكايات مستوحاة من الطبيعة والجغرافيا اللبنانية.
في المناطق الجبلية، كان التطريز تقليدًا منزليًا يرافق النساء، خاصة في الأرياف، بينما في المدن، مثل بيروت وصيدا وطرابلس، أخذ التطريز طابعًا أكثر حداثة، فأصبح يُدمج في الأزياء الفاخرة التي تعرضها دور الأزياء، ليحافظ على مكانته بين التقاليد والموضة العصرية.
مصر: تطريز الفراعنة الذي لا يموت
منذ زمن الفراعنة، كان المصريون يستخدمون التطريز لتزيين ملابسهم، حيث نرى في النقوش القديمة صورًا لملابس مزينة بزخارف معقدة تحاكي أشكال النباتات والحيوانات. ولا يزال هذا الفن حاضرًا حتى اليوم، خاصة في صعيد مصر وسيناء.
يتميز التطريز المصري بتنوعه، فمنطقة سيناء تشتهر بتطريزها البدوي الغني بالألوان الجريئة، بينما في النوبة، يأخذ التطريز طابعًا أكثر هندسية. أما في العصر الحديث، فقد أعادت دور الأزياء المصرية إحياء هذا الفن في تصميم الأزياء المعاصرة، حيث نرى التطريز اليدوي في فساتين السهرات وملابس الزفاف، مما يمنحها لمسة تراثية فريدة.
المغرب العربي: فسيفساء من الألوان والتاريخ
في دول المغرب العربي، يأخذ التطريز بُعدًا مختلفًا، حيث يتداخل مع فنون الزخرفة الأندلسية، مما يجعله تحفةً بصرية فريدة. في المغرب، تُعرف المدن العريقة مثل فاس ومراكش وتطوان بتطريزاتها الفاخرة، حيث يستخدم الحرير الذهبي والفضي لتزيين الجلابيات والقفاطين.
أما في الجزائر، فيتميز التطريز بتأثيراته الأمازيغية، حيث تستخدم الألوان القوية مثل الأحمر والأزرق والأخضر لتزيين الأثواب التقليدية، فيما تتزين الأزياء النسائية في تونس وليبيا بتطريزات دقيقة تعكس الثراء الثقافي للمنطقة.
التطريز… حين يصبح الخيط صوتًا لا يَخفت
سواء في فلسطين، حيث يصبح التطريز لغة مقاومة، أو في لبنان حيث يعبّر عن بساطة الجمال الشرقي، أو في مصر حيث يرتبط بجذور الفراعنة، أو في المغرب العربي حيث يمتزج بالإرث الأندلسي والأمازيغي، يبقى التطريز أكثر من مجرد فن يدوي.
إنه شاهدٌ على التاريخ، جسرٌ بين الأجيال، وحكايةٌ مكتوبة بالخيوط بدلاً من الكلمات. في عالم سريع الإيقاع، حيث تحلّ الآلات مكان الأيدي، يظل للتطريز اليدوي سحره الخاص، لأنه ليس مجرد زينة… بل هو ذاكرة الشعوب التي ترفض أن تُمحى.
تعليقات