الإغتراب.. حقيقة ما بين الواقع والخيال
- تحقيق - هبة معوض
- 17 فبراير 2019
- 4 دقيقة قراءة

قد يقود الفضول بعض الناس أحيانا إلى طرح أسئلة تدخل في نطاق الأسرار الشخصية، لكن هناك من يدلي ببعض التفاصيل من حياته، وذلك لما يتعرض له الفرد من ضغوط عمل وحياة عامة، وحول هذا الحديث فإن أغلب ماتطرق له عن حياتهم الشخصية جاء حول الإغتراب، فما هي إيجابيات وسلبيات الإغتراب؟ وكيف يؤثر على المغترب وأهله ووطنه؟
ويصف تامر الحكيم، (محاسب) الوضع قائلا: "الغربة هي النار التي تجتمع حولها أحلام المغتربين -تماما مثل الفراش-إلى أن تحرقها وتحرق أرواحهم. لكن للأسف شر لابد منه"، ويؤيده في الرأي أرميا فيليب، (مراقب جودة) مغترب في الأردن، فيقول:" للغربة فاتورة باهظة الثمن جدا عليك دفعها ثلاثة مرات- يوم الوداع واثناء الاغتراب ويوم العودة - فأثناء الرحيل تريد أن تاخذ كل من تحب معك ولكنك لا تسطيع وفى الغربة تعانى من الفراق والحرمان على أمل العودة ،وبعد العودة تجد نفسك غريب فى بيتك وتجد أشياء وعادات جميلة قد تغيرت ناهيك على معاناة العيش البحث عن لقمة العيش ،واستغلال الكفيل وتصل الى حتى الضرب والسب والحبس ".
وفي رواية أخرى يقول أحمد إبراهيم عبدالمنصف:" شغال في مجال المعمار والمقاولات. متغرب من سبع سنين...عايش في فرنسا.
أولا الغربة عمرها ماكانت قرار لأنه لايوجد من يختار أن يبعد عن اهله وحياته بإرادته.. لكن الظروف اوقات كتير بتجبرنا على حاجات وازم ننفذها من غير مانسأل لماذا، وظروف الحياة والعيشة الصعبة بتجبرنا على السعي وراء لقمة العيش، ولكن رغم الإنفتاح الذي أعيشه هنا والذي يوفر تقريبا كل شيء وبكرامة وطريقة آدمية...لكن دايما ما ينقصني شيء بل أشياء"، ويضيف " دعوة امي ليا الصبح وانا خارج واللي كانت بتفتح نفسي للشقا والتعب والرضا بكل حاجة.. لمة اهلي واخواتي والشد والجذب مع ابويا دايما لو عملت تصرف ماعجبوش.. ناقصني الدفء في وسط ناس بحبهم، لان الغربة ممكن تعطينيي فلوس بس قصادها بتسرق حاجات كتير من غير مانحس زي الحرامي الشاطر بتسرق العمر وبتسرق حتى المشاعر بتحول معظم الناس وده عن تجربة لناس مايهمهاش في الأول والأخيرغير مصلحتها حتى لو هيدوسوا على أقرب الناس ليهم في سبيل الوصول لمصلحتهم.
الغربة مش سهلة وبتجبر الواحد يكبر قبل اوانه بكتير لأن حياة الغربة مابتلاقيش فيها حد ولازم اعتمادك الأول والاخير يبقى ع نفسك وتفكيرك.. أوقات ممكن تتعب وتقعد في السرير بالأيام وماتلاقيش حد حتى يناولك كوباية ماية لأن كل واحد مشغول بحياته.
الغربة ليها مميزات برضة خاصة لو ف اوروبا اولها انك بتتعامل بناء على انت بتعمل ايه وبتقدم ايه وبناء عليها هتكون قيمتك مش قيمتك عشان انت معاك اية او ابن مين. بتتعامل بكرامة وادمية رغم كونك غريب لأنك انسان وفقط بغض النظر عن دينك ولونك وجنسيتك الاصلية بس زي ماقولت الغربة ممكن تديك حاجة وتسرق قصادها حاجات ماتتعدش". وينهي حديثه قائلا:" المغترب دايما عايش ف حيرة وواقع بين امرين احلاهم مر".
للإغتراب إيجابياته وسلبياته ولا يمكن أن نجزم أنه ينفرد بواحدة عن الأخرى، ومن هنا يتحدث أسامة محمد، (مهندس ديكور): "كنت مغترب من 2008 لحد 2015 في الخليج،الغربة رائعه .. بل هي أروع شيء ممكن... مافيش ضغط من حد على اي حاجه في مفردات يومي.. أكل أو شرب أو مشاوير .. اخرج بحرية و لا يوجد من يقلق علي بجانبي... طول الأسبوع شغل -زي العبيد-.. و الويك اند فسح و خروج زي المجانين لان محدش بيطالبني بمشاوير أو غيره"ومن ناحية أخرى يقول :"و الغربة -زي الزفت-.. ألعن حاجه ممكنه.. لأنك بعيد عن أهلك و لا عارف عاملين ايه من غيرك... أهلك قلقانين عليك طول الوقت مهما قولت انك كويس و بتاكل و عايش كويس".
أما بعد فقد جاءت نسبة الجهاز المركزي للإحصاء للمغتربين المصريين بالخارج 8،65%، هذا وقد تصدرت السعودية أعلى نسبة للمغتربين المصريين، والذي بلغ ما يقرب من 9،2 مليون مصري، وذلك لعام 2017م.

ومن هنا يقول عمر جابر، مصري ( مقيم في الأردن منذ أكثر من ثلاثة عشرة عام ): "الغربة لم تكن يوماً أمر سعيت إليه بل كانت قرار إتخذه بدلا مني أبي، الذي لم يعرف غيرها سبيل لكسب العيش، في البداية كنت أصغر من أن أفهم ما الذي أنا ذاهب إليه و على أي الطرق وضعت قدمي، لقد كنت مجرد مراهق يطيع أمر والده، سارت الأمور على نحو جيد و إستطعت بطريقة ما أن أعبر من ميناء ( نويبع ) رغم محاولات أحد المسؤلين لإعادتي من حيث أتيت لا خوفاً علىّ و لا شفقة بل لأنني تطاولت عليه لما تطاول هو أولاً، فقد كنت شاب شجاع و ذكي، مرت الأيام بعد وصولي بطيئة وأكاد أقسم أن سلحفاة كانت أسرع من أيامي، عملت مخالفاً بلا أوراق رسمية و تعلمت الخوف من الشرطة، في البداية كان الأمل مثير للضحك حين يقول أحدهم شرطة أو يقف على سطح بناية و يشير إلينا رافعاً كلتا يديه للأعلى على شكل علامة الضرب، الامر الذي كان مثير للضحك، لا أريد أن أطيل رغم أنني قد أكتب ألف صفحة في هذا الأمر لكنني سأكتفي بالقول أن : الغربة جحيم يعتاد المرئ عليه أو يُرغم نفسه على الإعتياد هرباً من جحيم آخر يُعرف بإسم الوطن. ثلاثة عشر عام متصلة بلا إيجازات و ما زلت لا أحن إلى أرض تتلخص أحلام شبابها في الهرب منها . نحن موتى هاهنا، لكن عزائنا في الغربة أنكم لستم في الأوطان أحياء".

أما عن أحمد حسنى، (مهندس كمبيوتر) فيقول:"مغترب فى السعوديه من ١٠ سنين، الغربه هى المسيخ الدجال.. يغرى بكل شيء مزيف.. يعطيك جنه مزيفه تبدو من الخارج لامعه براقه.. مع الزمن تكتشف انها مجرد مسخ باهت من كل شيء جميل، الغربه مهما اعطت.. فما تأخذه أكبر وأكثر "اماعند سؤاله حول إذا تكررت الكرة مرة أخرى فيرد" قبل كده أكيد كنت سافرت، لكن حاليا فلا، لأن في البداية كان الإغراء المادي لا يقاوم"، ويسير على نفس الوتيرة أ/محسن الشبراوي (محاسب) موضحا الأمر بإيجاز فيقول: "يجب معرفه إيجابيات وسلبيات الاغتراب وحساب فوائدها قبل الإقدام عليها وحساب حاجه الوطن للشخص المغترب فبلدي اولى بي من أي دولة أخرى فلو كل شخص فكر في الإغتراب على مصلحه الوطن سيحدث مضار وخسائر لكلا الطرفين".
ثمة واقعة أو أكثر تعرض لها المغتربين في حياتهم جعلتهم يفكرون لألف مرة، ماذا إذا عاد بهم الزمن؟ هل سنعيد الكرة نفسها؟ أم أن واقعهم سيختلف، ويجاري هذا الحديث محمد عبد العزيز فيقول: "مغترب في السعودية من 6 سنين ،حاسس اني ميت من 6 سنين، ديون و ذل من الكفيل و رسوم كتير و أقساط و دوامة مش عارف أولها من أخرها ، يا ريتني ما كنت اتغربت، نفسي ارجع مصر بس مش عارف، أنا حاسس اني في سجن كبير اسمه السعودية -اللهم لا اعتراض".
ويسير على نفس الوتيرة عمرو حمدي، قائلا:"خريج علوم وشغلي كان في مصر في الدعاية الطبية ،٣سنين في السعودية، فلم أستطع من النزول إلى مصر لظروف خاصة، والدتي ماتت وماعرفتش آخد عزاها باشتغل اكتر من شغلانة كلها بعيدة عن مجالي عشان اقدر أوفر رسوم المرافقين إللي الدولة هنا فرضتها على المقيمين ".
وفي النهاية يمكن أن نختم بقول :الإغتراب هو الحياة والموت في آن واحد ،ولايوجد أصعب من الواقع سوى الخيال، وما بين الواقع والخيال حقيقة..


تعليقات