قد لا يؤمن البعض بوجود ثقافة للحب يمكن أن ننهل منها وأن نربى أطفالنا عليها وأن نسقيهم من رحيقها الطيب وأن اقتنعنا أخيرا بوجود تلك الثقافة فكيف يمكننا ان نغرس ثقافة الحب في نفوس أطفالنا إذا كنا نحن من يفتقد لثقافة الحب أصلا؟ وهل من حق الحب علينا أن نعترف بوجود ثقافته التي تنعش أرواحنا و تحيى قلوبنا كعشاق لهذه الحياة وأحلامها.
فما هي ثقافة الحب التي نتحدث عنها؟ هل هي شعور مغذ لاحتياجات الفرد الجسدية والعاطفية والنفسية و الفكرية؟ أم هي فن من فنون الحياة الاجتماعية التي لابد من تعلمها؟ فمنذ عهد آدم و حواء نمت جذور العواطف لتكتمل دورة الحياة ويكون هناك إنجاب ذرية لتتشكل النواة البشرية الكبرى وكان لأساطير الحب والعشق دورها الكبير في تغذية العقل البشــري الباطن والظاهر بمشاعر رقيقة قد يصعب التعبير عنها في ظروف الحياة البشرية الأولى. ومع تطور الزمن تطـــورت العلاقات الاجتماعية بكل مجالاتها و أصبحت نظرة الناس للحب مخالفة تماماً لمفهومه الحقيقي الذي جعلنا ننحرف عن مساره والهدف من وجوده لأن الحب قد أصبح وسيلة من وسائل الوصول إلى الكثير من الغايات الدنيئة. هذا بدوره عطـل مفهوم الجمال الروحي و خــرب متعة الناس بالحب ما أدى إلى تفشي الانحراف عند أجيالنا و من هم قائمون على تربية هذه الأجيال و حمايتها و حتى تكتمل شروط ثقافة الحب لابد من وجود ثقافة الحرية الشخصية المحاطة بقيم احترام الذات الإنسانية و ثقافة التربية الاجتماعية التي تقوم على شروط قيمية أخلاقية لأنه لا ثقافة للحب إن لم يكن هناك ثقافة للحرية الفردية منشؤها و قوامها الثقافة الاجتماعية والمقصود بالثقافة الاجتماعية وعي الفرد لدوره الاجتماعي على صعيد الأسرة والشارع والحي والمدرسة لكن هل تتحقق شروط الوعي الثقافي عند الفرد الواحد إن لم يكن منطلقا من ذاته الحرة غير المقيدة؟ سؤال جدير بأن يمنح الوقت اللازم والجهد الكامل و أن نقف عنده للإجابة عن بعض التساؤلات؟ كيف نغرس الحب في نفوس أطفالنا و نفوس الآخرين؟ كيف نربى أطفالنا على قيم الحب وأخلاقياته التي ما أحوجنا إليها في هذا الزمان؟
إن بناء العلاقات الاجتماعية ما بين الفرد والفرد وما بين الفرد والمجتمع يتطلب بناء صلات عاطفية تضمن ترابط هذه العلاقات واستمرارها ولا صلة هنا أهم من صلة الحب التي أوجدها الله فينا من أجل التواصل والتراحم والتضحية والإيثار.
فمحبة الإنسان لأخيه الإنسان ولوطنه ولكل ما يحيط به أمر لابد منه ولا يتحقق إلا بتلقين الطفل وتعليمه منذ نعومة أظافره أسس هذا الحب حيث يجب نعلم أبناءنا إن حب الوطن من الإيمان وإن حب الله أعظم حب وإن حب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم دليل اكتمال إيمان الإنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله)، وكذلك حب الوالدين واحترامهما.
فالحب سلوك اجتماعي جميل ترتكز عليه كل الفضائل والمحمودات والأخلاقيات والقيم النبيلة التي لا غنى للفرد ولا للجماعة عنه لأنه أساس الحراك الاجتماعي والمعبر عن عنه في كل الأحوال.
من هنا يدرك المرء أن لثقافة الحب التي هي ضد ثقافة الكراهية علاقة بالوعي الاجتماعي بل إنها ربما تتوقف على مدى نضجه واكتماله اى أن ثقافة الحب لا تتحقق في المجتمع الغير واعي والغير مدرك لأهمية ثقافة الحب في حياة المجتمع، وإن من مبادئ ثقافة الحب حسن التربية والتنشئة الاجتماعية السليمة التي تنمى مظاهر الحب والسلوكيات الدالة عليه ما بين أفراد الأسرة والمجتمع من لحظات ولادة الإنسان إلى أخر أيام حياته.
Comments