top of page

شباب.. خارج نطاق الخدمة!

تقدم ونماء الدول بشبابها، حيث أنهم هم الفئة المنتجة بأي مجتمع طبيعي، وتتميز مصر بأن الفئة الغالبة بها هي فئة الشباب المتقاعد، ولأننا دائما نسير عكس التيار فنجد أن كبار السن هم من يحفرون في الصخر ليشقوا الطريق. فمعظم شبابنا يعيشون في وهم نظرية المؤامرة، وأن الجميع ضدهم، فينسجون واقعاً آخر لايتيح لهم الفرصة لتفجير طاقاتهم الإبداعية والفكرية بما يفيد المجتمع، وفي الغالب يفعلون ذلك هروبا من تحمل المسؤلية.

وفي ليالي المدينة الصاخبة، لا أحد ينام ولا يهدأ فيها، فتجد من اتخذ المقاهي مأوى له، يعيش فيها رحلة المتاهة، في المقابل تجد عم اسماعيل، صاحب السبعون عام، الذي مازال يعمل ويثابر في الحياة رغم كبر سنه.

وعند محاولة عرض الأفكار التي تدور في أذهان شبابنا، سنجد الفصيل الأول منهم يثرثر ثرثرة مملة نتيجة لطول المتاهة وعدم قدرته على الوصول، فيقول إن الرواتب منخفضة جدا، فكيف لي أن أدبر أمور حياتي ومصاريف زواج والخ.... ونجد الفصيل الثاني المتكاسل والذي تعود منذ صغره على التواكل، فكل شيء يصل إليه بكل سهولة "ننوس عين أمه"، وقد ورث ما يجعله يعيش في راحة بال طوال حياته، ولكنه لم يضع في حسبانه غدر الزمن. أما الفصيل الثالث والذي أشفق عليه، وهم من تخرجوا من مجالات علمية، عانوا كثيرا حتى يلتحقوا بها، وازدادت معاناتهم أكثر وقت الدراسة، ولكنهم لم يستشعروا ألم ومعاناة هذه الدراسة، لأنهم كانوا يحلمون بالوظائف التي سيلتحقون بها عند التخرج، ولكنهم عندما تخرجوا وجدوا حائطا لامنفذ فيه أمامهم، فالحلم كان أكذوبة، صنعه عقلهم الباطل، فلا يوجد أمامهم حل سوى أن يعملوا بمهن ليست محل دراستهم، فالبعض يقبل ويرضى بمصيره، ويعمل بمهن كان لا يطمحها من أجل لقمة العيش، "شباب مغلوب على أمره"، والبعض لا يسمح لهم كبرياؤهم ومستواهم الاجتماعي والعلمي، بالالتحاق بهذه المهن، فيلجأون إلى مقاهيهم، يتقيأون فيها همومهم، على أمل أن يتحقق حلمهم يوما ويصلوا إلى نهاية المتاهة، ولكن حينها سيجدون أنفسهم قد "وهن العظم منهم". وهذه الفئة هم من يطلق عليهم أصحاب "البطالة الاختيارية".

"البطالة الاختيارية".. أقصد البطالة بالمزاج.. يلجأ إليها شبابنا بعد فقد الأمل، ولكن إذا نظرنا حولنا سنجد أن سوق العمل المصري أصبح مليء بعمالة الأخوة السوريين، في الصناعة والتجارة والمهن الحرة والخدمات، فالسباك سوري، والنجار سوري، والسمكري سوري، والتاجر سوري، وصانع الحلويات والمأكولات الشعبية المصرية سوري. ودلت الأرقام الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة أن إجمالي رأس المال المستثمر من قبل اللاجئين السوريين في مصر وشركائهم المصريين في الفترة الممتدة منذ عام 2011 بلغت نحو 800 مليون دولار. والسؤال هنا كيف تقولون أنه لا توجد وظائف، وأن الرواتب منخفضة، وأخوتنا السوريون بكل الظروف التي يمرون بها، فيعيشون بوطن ليس بوطنهم، تاركين أموالهم وحياتهم، مجبرين، ولكننا نجدهم سعداء بما يفعلون، فلم يؤثر عليهم كل هذا الألم، واستطاعوا أن يحققوا المجد "أصحاب عزيمة من حديد"، فأثبتوا لنا أن المشكلة ليست بالدولة، وظروفها، المشكلة فينا نحن وفي عقولنا المريضة.

فكان للعمالة السورية دور كبير وهام في تحريك عجلة الاقتصاد المصري، حيث أنهم هم من خلقوا المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، واستطاعوا أن ينهضوا بالأعمال التي لم يعد المصريون يقبلون العمل فيها لأنها "مش من مقامهم". فلم نعد نجد السباك والنجار المصري. وظائف جاري البحث عنها.. فالوظائف متاحة، ولكن أنتم خارج نطاق الخدمة!

ووفقًا لبيانات بحث القوى العاملة الصادرعن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، واصل معدل البطالة، تراجعه على مستوى عام 2018 أيضًا، باستثناء الربع الثالث منه، الذى ارتفع خلاله ارتفاعًا طفيفًا. ففى الربع الأول من عام 2018، واصل معدل البطالة التراجع، مسجلاً 10.6%. وانخفض خلال الربع الثانى من ذات العام إلى 9,9%. وفى الربع الثالث سجل معدل البطالة 10%. وانخفض إلى 8.9% خلال الربع الرابع والأخير من العام نفسه.

ونجد أن من تبعيات أزمة البطالة، هي جعل الكثير من الشباب عندما يضيق بهم الحال كما يدعون، تصيبهم حالة نفسية سيئة، تقودهم إلى طريق المخدرات، واللهو، والسرقة، وارتكاب الجرائم، فقد خرجوا من ضياع لضياع أكبر. وحينها يكونون ملاذا شهيا للجهات المعادية للوطن، التي تستغل معاناة هؤلاء الشباب لتقوم بإغرائهم بكافة الأساليب ليكونوا هم الخطر الأكبر على وطنهم. وتلك مشيئتهم ، لامشيئة أحد غيرهم ،فالله رزقهم بالعقل ليميزوا بين ما هو صواب وخطأ. فالاختيار كان بأيديهم من البداية. فمهما كانت الدولة قاسية عليهم، فبإمكانهم أن يعملوا بالوظائف المتاحة "اللي مش قد المقام" بدلا من الهروب!!

وثمة أسباب عديدة جدا لمشكلة البطالة، بداية من وجود ضعف في الاقتصاد، وزيادة معدل النمو السكاني، وتضخم عدد الخريجين الذين تلقي بهم المدارس والجامعات على أرصفة البطالة سنوياً ، مع عجز سوق العمل على استيعابهم ، كما أن الدولة لا تسعى لخلق فرص عمل جديدة تتواكب مع التطور التكنولوجي الجاري، إلا أن السبب الأخطر، هو طبيعة التعليم الذي يدرس في مدارسنا وجامعاتنا، والذي لا يتواكب مع احتياجات سوق العمل داخل الدولة وخارجها. بالإضافة إلى اعتماد الدولة أحيانا على العمالة الأجنبية والتي يجدون فيها الكفاءة المطلوبة لإنجاز العمل المرجو، هناك أيضا سبب محوري بالغ الأهمية، الثقافة المجتمعية التي توارثناها عبر الأزمنة، والمتمثلة في احتقار بعض المهن، التي لا يستطيعون هم أنفسهم الاستغناء عنها، و كانت النتيجة تفريخ أجيال متعالية مأواها الكافيهات.

أفيقوا من غفوتكم، فلم يعد هناك وقت، سارعوا في الخروج من المتاهة، قبل أن يبتلعكم غدرها..

Comments


bottom of page