top of page

عبدالحميد مصطفى يكتب: في معترك الحياة الاجتماعية


يقضى الإنسان لحظات عمره لحظة بعد لحظة في معترك حياة اجتماعية كلها مكابدة ومشقة وعمل وكد من اجل لقمة العيش الكريم وهو دون شك من يعيش تجربة الحياة كسائر المخلوقات إلا أن الله فضله على الكثير من منها وميزه بنعمة العقل وجعله خليفته في الأرض وهو يعلم انه الجدير بذلك وإن كان "ظلوما جهولا" وقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون الإنسان سيد هذا الوجود والمسيطر عليه بقوة عقله وتوفيق الله عز وجل له وتعليمه ما لم يكن يعلم وهو سبحانه الذي تكفل برزقه فمهد له الأرض وأرسى له الجبال وخلق الشمس والقمر وانزل الماء وبث في الأرض الحياة "وجعلنا من الماء كل شيء حي" وسخر البحر وسائر المخلوقات لخدمة الإنسان وضمان بقائه واستمرار حياته إلى أجل مسمى.

وانزل عليه أعظم النعم ألا وهى نعمة الإسلام و القرآن الذي بين له فيه المنهج المستقيم لتنظيم حياته وترتيب شؤونه ومعرفة واجباته اتجاه ربه واتجاه نفسه وأهله ومجتمعه والآخرين.

ولم يكن الله قاسيا ولا ظالما سبحانه بل كان بالناس رؤوف رحيم وقد اكتملت الرحمة باكتمال نعمة الدين الإسلامي الذي ارتضاه الله وأرسل من اجل التبليغ به خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين.

لقد أجاب الله عن كل تساؤلات الإنسان التي تتعلق بحياته وتنظيم شؤونه ولم يجعل حياته عبثا ولا لهو وإنما كد وعمل واجتهاد لأجل حياة أخرى خالدة لا موت فيها ولا عذاب ولا نصب ولا وصب وإنما جنات تجرى من تحتها الأنهار فيها أكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابى مبثوثة وخيرات لا حصر لها "وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر ببال إنسان" "وفيها ما تشتهى أنفسكم وفيها ما تدعون".

الحياة الدنيا التي أبدعها الله ليست هينة ولا بسيطة ولا هي مجرد فترة زمنية تمر على الإنسان ليعيشها كيفما شاء ثم يموت وينتهي كل شيء.

إنما هى فترة اختبار وابتلاء يعيش الإنسان فيها مخيرا في أن يتبع طريق الخير أو طريق الشر دون أن يحرمه احد من حرية الاختيار "هل أتى على الإنسان دهر لم يكن شيئا مذكورا – إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا".

طريقين لا ثالث لهما لا ينفع معهما نفاق ولا رياء ولا تملق ولا كذب لان الله بكل شيء عليم.

ورغم معرفة الإنسان لكل هذا وأكثر إلا أن الكثير من الناس يعيشون حياتهم الدنيا بالباطل وينتهجون منهج السوء والرذيلة والنفاق ويتقدمون بالحق خطوة ليتأخروا بالظلم والزيف والبهتان خطوات وان ما نراه فى اغلب مجتمعاتنا العربية من فضائح وأزمات أخلاقية وكراهية وسوء معاملة وسوء تصرف إنما هو نتيجة من نتائج جهل الإنسان بحقيقة وجوده وأنانيته وحبه للحياة الدنيا وتعلقه بها وتفاخره بما فيها من مال وولد " وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا".

فإذا ما التزمت الناس بتعاليم الدين الإسلامي الذي ارتضاه الله لخلقه، وإذا ما اتقت الناس ربها وأتقنت عملها وأحبت لغيرها ما تحب لنفسها فلا تنافق ولا تكذب ولا تزنى ولا تسرق.

وإنما تتحاب في الله وتتقاسم لقمة العيش و تتراحم وتتسامح ولا تبغض بعضها البعض، ألا ترى أن الإنسانية لو التزمت بكل هذا أو بجزء منه فإنها ستوفر على نفسها الكثير من مكابدات الحياة وهمومها وستعيش الحياة التي ارتضاها الله لعباده حياة لا ظلم فيها ولا جور ولا صراع فيها ولا نزاع ولا حروب.

إننا مطالبين بمعرفة الحكمة من وجودنا في هذه الحياة ودورنا فيها كما إننا مطالبين بالتفكر والتدبر في خلق السموات والأرض ومعرفة الله والتقرب إليه والتفكير في ما بعد الموت وما ينتظر كل واحد منا من مصير.

Comentarios


bottom of page