top of page

د. منى حسين تكتب: عالم الفيس بوك..!


لقد أصبحنا اليوم فى عالم الفيس بوك الإفتراضى، نبدأ يومنا بتصفح حساباتنا، لنعرف آخر الأخبار، ونطمئن على أصدقائنا فى هذا العالم، ففيه نرد على باقات الزهور التى يرسلها لنا الجميع، مصحوبة بصباح الخير، والأدعية الدينية التى نرد عليها، وأحياناً بعض الأغنيات المرتبطة بالصباح وبداية يوم جديد، وأحياناً بالفيروزيات وغيرها مما يدعو للتفاؤل.


كما نعرف منه الكثير عن المناسبات السارة لدى الأصدقاء، من أعياد ميلاد واحتفالات بنجاح الأبناء، أو بترقية أحدهم فى عمله، أو حصول أحدهم على جوائز، فنبارك ونهنىء، ونرسل باقات الزهور.


ومن خلاله أيضاً يتم إرسال الدعوات لحضور مناسبات بعينها، علمية أو أدبية أو حتى الخطبات والأعراس، فقد أصبح أسهل كثيراً من استخدام الهاتف للإتصال بالأخرين، فعدد أصدقائنا على الفيس بوك وعائلاتهم، لا تكفيها أى قاعة مناسبات فى الفنادق أو النوادى الاجتماعية، لكن فى الحقيقة معظمهم لا يلبى الدعوة، بالرغم من كتابته تعليق على ما ننشر، يؤكد فيه أنه سيكون من أول الحضور، ربما يعتذر لاحقاً، وربما لا، المهم أننا معاً.


وأحياناً يصبح كصفحة الوفيات فى أى صحيفة، فهذا ينعى أحد أفراد أسرته، وهذا ينعى قريب له من بعيد، وهذا ينعى زميل وهذه تنعى زميلة أو صديقة.


فنرى أنفسنا بين المنشور والآخر، تارة نرسل التهانى، وأخرى نرسل برقيات التعازى، ربما كانت فائدته كبرى فى فترة جائحة كورونا فى موجتها الأولى، فجميعنا محظور عليه التواصل المباشر، خوفاً من انتقال العدوى، وحرصاً على صحة الكبار منا، نظراً لضعف مناعتهم.


أما غير ذلك فقد أصبح الفيس بوك نافذة معظمنا، عندما نتصفحه كأننا نتصفح جريدة يومية أو مجلة، الفارق فقط أننا نعرف عن أصدقائنا، كما أننا نعلمهم عن نشاطاتنا المختلفة، وإن غبنا نكتب أننا مرضى أو مشغولون، ونلتمس الدعاء منهم.


ماذا لو انقطع التيار الكهربائى وفُصل "الراوتر"، وبالتالى الإنترنت؟ ماذا لو انتهت باقة الهاتف المحمول، سيشعر الجميع بالوحدة، وإن كان لا يستطيع الحركة سيشعر بالموت المفاجىء، إلى أن تعود الكهرباء، أو يجدد باقته ليعود للحياة مرة أخرى.


لقد نجح هذا العالم الإفتراضى فى لم الشتات، فمن خلاله ستجد أصدقاء الطفولة والدراسة بجميع مراحلها، ستكتشف من خلاله أن العالم أصبح بين يديك، ستجرى أكثر من محادثة فى وقت واحد، مع صديق فى الشرق وآخر فى الغرب، وثالث فى الغرفة المجاورة لك فى بيتك.

فى الكثير من الأحيان تجد من يصيح وهو سائر فى الشارع، يعنف أبناءه أو زوجته أو زميل عمل، إن لم تلحظ السماعة التى يضعها فى أذنه لتوارد لذهنك أنه ربما يكون مجنوناً، فكل صياحه وحده، فهو لا يخاطب شخصاً يسير معه، أو يقف أمامه، لا أعلم حتى الآن هل هو ميزة كاملة، أم ميزة تنقصها العلاقات الاجتماعية السوية التى خلقنا الله عليها.


تواصل لفظى، تواصل عندما نفرغ ونفتح الإنترنت فى أجهزتنا المختلفة، تواصل بلا حياة، حين يسرق منا الوقت فى حوار أو غيره، ونحن مرتبطون بعمل أو أدوار أخرى، نستأذن لننهى الحوار.


أما الحياة فليست هكذا، نحن معاً، نجلس معاً، نتحاور معاً، حتى إن قمنا بأعمالنا المختلفة فى البيت أو العمل، نحن معاً قلبا وقالباً، وليس معاً وقت أن نجد للآخر وقتاً فى حياتنا.

bottom of page