اعطني بطاقة هويتك... ما اسمك؟ وما سنك؟ وما وظيفتك؟ ومن أي كلية تخرجت؟ هل اللحية سنة أم فرض؟... "اتفضل معانا". أسئلة لم تجد من يجيب عنها، في ظل سكوت مفعم بالخوف والرهبة، يحاول كلا منا أن يستوعب ما يحدث. هل كان هذا إرهابي يداه ملطخة بدماء الأبرياء، عجز لسانه عن أن يجيب على حراس الوطن. "أم أنه بريء"، فالاحتمالات كثيرة. ولكني لا ولن أبرئه من انفعاله الهمجي ذات الصوت العاري، وتكميمه لفيه الطفل صاحب الأربعة عشر عاما، والذي لم يرضخ لهرتلات صاحب الدماغ المغسولة عندما كان يتلو علينا حبه الشديد لحراس الوطن، ورغبته الشديدة بأن يصبح "المنسي" عندما يكبر. فكانت عينيه يشع منهما بريق لم أشهده من قبل، وحكاياته تضعنا في وضعية حرجة لحظة تلو الأخرى، وتكشف عن جهلنا بمن ضحوا بحياتهم من أجلنا، فقالت عيناه لنا: أنتم تعيشون في غيبوبة التفاهة والغباء. وشعرت بالغيرة منه، حيث كان يعرف الكثير عنهم أكثر مني، فهو بالفعل يحبهم أكثر مني..
كان هذا طفلا.. ولكنه كبير بفكره وثقافته البليغة، وحبه الجياش لجيشه وحماة وطنه، تترنم نبضات قلبه بالرغبة في التضحية من أجل تراب هذا الوطن، فحقا قد أعطاني دفعة من الأمل بأن مازال هناك خير في هذه البلد. فكان هو الرصاصة الأخيرة التي أودت بحياة أعمى البصر والبصيرة.
حب الوطن شيء غير مكتسب، وإنما هو فطرة تولد مع الإنسان منذ خليقته، فهو أسمى شيء في الوجود. ولكن هذا الحب له مستويات تختلف درجته من فرد لآخر، فيكون في ذروته عندما يكون متخللا بالإخلاص، وأجمله على الإطلاق هو التضحية بالنفس من أجل بقاء هذا الوطن وحماية الشعوب، ويكون هذا الحب في أحقر لحظاته عند التضحية بالنفس أيضا ولكن هذه المرة من أجل تدمير هذا الوطن، واللهاث وراء الأموال السوداء. وهذه هي المفارقة الغريبة. "من يحب وطنه يحب جيشه".. معادلة بسيطة، ولكن لا يحققها سوى الشرفاء. ويا له من عار عندما نجد البعض منا للأسف يكرهون حماة الوطن، ويسيئون لهم، ويحرضون ضدهم، ويتهمونهم بالعمالة والخيانة، ويهللون لقتلهم، بوجوههم الشيطانية. فلن أذكر ما يفعله حماة الوطن من أجلنا، يكفي أن أقول لكم: ماذا فعلتم أنتم لوطنكم، سوى أنكم أولعتموها بثرثرتكم السفيهة. وأصبحت أشم رائحتها المنعدمة.
حقا أنا أشفق عليكم إلى ما وصلتم إليه من عقل مغيب، جعلكم لا تفرقون بين ما هو حقيقي وما هو مزيف، فالضباب أصبح يغيم عليكم، وأصبحتم كالآلة المبرمجة، جميعكم تقولون نفس الحديث، حتى أن سحناتكم أصبحت واحدة، لا يمكن التفريق بينكم. فتفكيركم ملوث، وتحاولون دائما أن توجهون سهامكم السامة إلى غيركم من النبلاء، لتعود لترطتم بكم دون جدوى. فكل من يعتنق الفكر الإرهابي، ويؤمن بتلك الجماعات المشبوهة التي لم تترك حراما إلا وارتكبته، ويسيئون لحماة الوطن ولقائدها بأي شكل من الأشكال، حتى وإن لم تتغلغل أصابعهم بالسلاح، فهم المجرمون الحقيقيون، وأصحاب الإرهاب الأسود. "فالكلاب تعوي والقافلة تسير".
ولذلك نحتاج نحن كمجتمع أن نحارب كل من يحاول أن يفرق بيننا، وينشر الخوف والرعب في قلوبنا، ويفرقنا إلى طوائف، ويجتهد في إثارة الفوضى، وإزهاق أرواحنا، مستغلين الظروف الصعبة من فقر وجهل ورجعية مجتمعية، من خلال زرع الوازع الديني السليم وتعزيزه في نفوس الأطفال بالوسطية والإعتدال، والإهتمام بالتنشئة السليمة لهم، وعلى وسائل الإعلام أن تنشر الوعي لمكافحة هذا التطرف الفكري لدى الكثير منا. فمهما كانت الظروف التي نمر بها، لابد أن لا يؤثر ذلك على حبنا الحقيقي لوطننا وحماته، فبوجودهم سيكون لنا وجود، وبزوالهم لن نكون.
Comments