الوطن.. الإنتماء.. الوطنية، كلمات لا تخلو حواراتنا منها، نرددها في كل وقت ومكان، دون كلل أو ملل، نستشعر معناها الحقيقي في أية مناسبة أو ذكرى وطنية، هذا هو الطابع الغالب على كل شعب، وكل مواطن يعيش على أرضه، أو يعيش في وطن آخر غير وطنه، فكرة الإنتماء التي تتخلل نفس كل منا، تعظيم الوطن حد التقديس، ما أعظمها فكرة.
ذات يوم قرأت قصة عن فتاة إكوادورية، كادت تنزلق من جبل عالي منحدر، حين كانت تقود دراجتها، ولكنها نجت من الموت بأعجوبة، وحين سئلت عن ذلك قالت، تذكرت أني إكوادورية، لذا تمكنت من السيطرة على الدراجة.
الفكرة هنا، هي إلى أي مدى ينبغي علينا تعظيم الوطن قبل أي شيء آخر، أو حتى قبل أنفسنا، فكرة تؤكد لنا أن كلمة وطن ليست مجرد كلمات تخرج من أفواهنا، بل لفظ حقيقي لا يوجد عليه شوائب.
يرى العالم والفيلسوف الإنجليزي براترند راسل، أن من ينتمي لوطنه فقط، هو شخص محدود الفكر والأفق، وعليه أن ينتمي إلى الكون والإنسانية، لا إلى رقعة محدودة من الأرض، قد يكون تفكيره ناتج عن معايشته للحربين العالميتين الأولى والثانية، كان من الممكن تقبل كلامه هذا في عصر آخر أو زمن مختلف، لكن في هذا الوقت فلا. يؤمن الكثير بآراءه وآراء أخرى مماثلة ويخلدها، ويندد بها في أي حوار جدلي أو نقاش عادي، فأنتم تحبون معرفة ومناقشة كلمات الفلسفة، وليس هذا بسيء، لكن ينبغي أيضا معرفة حياة وشخص من تسيرون على نهجه، وكذلك ظروف وطنه وأرضه.
هناك تعليق آخر بسيط أود توضيحه، عن رأي راسل، وهو لو أن أحدهم، أجبرك على ترك إنجلترا بلا رجعة، أو لو أن دولة أخرى قد إحتلت أرضه، لكان غير رأيه بالكامل حول مفهوم الوطنية، وعرف المعنى الحقيقي للإنتماء، أو بالأجدر عرف معنى كلمة "الوطن"، ولا أقصد بهذا راسل بشكل محدد، بل هو مجرد مثال لكل من كان تفكيره كذلك عن مفهوم الوطنية.
قد يعترض البعض عما أقول، ويتحدث بكلام لا طائل منه، ويقدم مبررات وحجج، مثل أن يقول بأنه لا يوجد له مأوى هنا، أو أنه لا يعامل كما ينبغي...إلخ، نوضح لكم أن تلك المبررات لا تمنع بتاتا معنى الإنتماء، ومن الممكن أن تولد على أرض أخرى غير أرضك، أو لا تعيش به، لكن كذلك لابد أن تتعلم معنى الوطنية والإنتماء، وأنه مهما تكن درجة حبك أو انتماؤك للأرض التي تعيش عليها، فلابد أن تضع وطنك في مكانة أسمى، ولا يمنع ذلك وجود أشخاص سيئين، أو انتشار بعض ملامح الواسطة والمحسوبية والتحيز لشخص بعينه، لكن كل ذلك موجود في كل مكان، ولا نستثنى أي دولة من خلوها من بعض المشكلات، حتى في أكثر الدول تقدما، لكن الوطن لا علاقة له بالأشخاص اللذين يسوؤن سمعته.
"ليس وطني دائما على حق، ولكني لا أستطيع أن أمارس حقا حقيقيا إلا في وطني".... كلمات محمود درويش، التي تلخص كل حديث، وتنهي أي جدل قائم حول فكرة الوطن.
Comments