الانحدار
- nourelkomy1245
- 4 أكتوبر
- 2 دقيقة قراءة

بقلم / خالد النهيدي
بموقفه الأخير هدم كل ما تبقّى من جسور المحبة والتواصل؛ تلك التي ظلّت ممدودة برغم الألم والجراح واللحظات الموجعة.
نحن الآن في مفترق الطرق، وكلٌّ منّا يحاول أن يتشبث بالآخر إلى آخر رمق، إلى آخر نفس. ذلك برغم حساباته النسائية التي يضج بها الفيسبوك، وكنت ألومه وأختلف معه كثيرًا بشأنها.
لم يعد خِلّي الوفي، ولم يعد ذاك الشامخ الحُرّ الأبي. لم يبقَ له في داخلي سوى بعض الدموع وكمّ هائل من الأوجاع والذكريات التي ستظل تقاوم النسيان، وتحفر في جدران الذاكرة باستمرار.
قلت له يومًا مستغربًا بشدّة:
ــ ماذا تستفيد من حساباتك النسائية على الفيسبوك؟
فقال لي حرفيًا:
ــ أنت كاتب، ولك معجبات وقرّاء، وأنا لا حيلة لي سوى هذه الطريقة لاستقطاب النساء والتحدث معهن.
لم أقتنع أبدًا بإجابته. وكنت أخشى الظنون المتضاربة التي تراودني بسبب تلك الحسابات، لكني دائمًا أستعيذ بالله وأحاول استبعادها. كان أكثر من صمام أمان، وأكثر من أخ. وكانت له مواقف تستثير في داخلي كل معاني البقاء إلى جانبه، برغم كل ما قد يصيبك بالاشمئزاز، أيها القارئ أينما كنت.
هو الآن قابع خلف السراب، يتأمل ذكرياتنا ويرسمها على وجه السحاب.
أخذت تتحاور معي قارئة لكتاباتي المنشورة عبر إذاعة الـ BBC لأكثر من سنة. كانت مثقفة جدًا، في غاية اللباقة وخفة الدم، وحواراتها على مستوى عالٍ من العمق والنضج.
تعمقت علاقتي بتلك القارئة المتابعة لكتاباتي حتى صارت أكبر وأعمق مما أتصور أو تتصور. عرفتها وأنا في فترة نقاهة مع نفسي ومع الكتابة. ثم أقنعني ـ جاهدًا ـ أنه هو من كان يحاورني متنكرًا في حساب نسائي جديد.
أنا أجزم أن لديه انفصامًا في الشخصية؛ فذلك الأسلوب واللغة ورائحة الأنوثة التي كانت تفوح وتطغى على المكان، كانت تفوق كل أساليبه التافهة الماسخة. لقد كان استخدامه لنعمة الإنترنت أسوأ ما يكون؛ فقد حوّلها من نعمة إلى نقمة، وأطاح بشخصيته السابقة العملاقة في سراديب مليئة بالتخبط والانحدار.
لم يعد له سوى كلمات ما زالت محفورة في أعماقي من أغنية قديمة:
خذ بقايا ذكرياتك
والأماني والوعود
وانسَ اسمي من حياتك
وانسَ إني بالوجود
وطويت صفحة من تقويم عمري، ببحر من الدموع كتبتها.


تعليقات