الوجه الآخر لحياتنا الرقمية .. حياة مثالية؟ أم خدعة بصرية؟.
- nourelkomy1245
- 28 يوليو
- 2 دقيقة قراءة

بقلم: نورة حفيظ
في زمن تسكنه الشاشات ويُقاس فيه الوجود بعدد الإعجابات والتفاعلات، يبدو أن كثيرين منا باتوا يرتدون "قناع المثالية" كلما دخلوا إلى عالم التواصل الاجتماعي.
نفتح تطبيقاتنا المفضلة فنجد الصور البراقة، الابتسامات العريضة، الوجبات الفاخرة، والسفر إلى أماكن مبهرة. وكأن الجميع يعيش حياة لا تشوبها شائبة. ولكن، خلف كل هذه الواجهات الرقمية، يلوح سؤال جوهري: هل ما ننشره يُمثل واقعنا حقاً؟ أم أننا نُجمّل الحقيقة ونخفي ما لا يليق بعرضه للعالم؟
العالم الرقمي كمنصة لاستعراض الذات
في أساسه، كان الهدف من مواقع التواصل الاجتماعي هو تقريب الناس من بعضهم، وتسهيل تبادل الأفكار والمشاعر والأحداث اليومية. إلا أن هذه المنصات تحولت تدريجياً إلى ساحات للمقارنة والاستعراض، حيث يسعى الكثيرون إلى تقديم أنفسهم بأفضل صورة ممكنة، بل أحياناً بصورة تتجاوز حدود الواقع.
نحن نختار بعناية ما نشاركه: نلتقط عشرات الصور لنختار "الأفضل"، نُعدل الإضاءة ونضيف الفلاتر، نكتب نصوصاً ناعمة ونختار التوقيت المثالي للنشر. في المقابل، نُهمل نشر لحظات التعب، القلق، أو الفشل، رغم أنها تمثل جزءاً أصيلاً من تجربتنا الإنسانية. وهكذا، يُعاد تشكيل الواقع في فضاء الإنترنت ليظهر بمثالية لا تعكس الحياة كما هي.
الحاجة إلى القبول والإعجاب
يرتبط هذا السلوك برغبة فطرية لدى الإنسان في أن يُقبَل ويُعجب به الآخرون. ومع صعود ثقافة "اللايك" والتفاعل، تحوّل هذا القبول إلى رقم، يُقاس ويُراقب. صرنا نربط بين جودة حياتنا وعدد المتابعين، وبين قيمتنا الشخصية وعدد القلوب والتعليقات.
هذا السلوك تغذّيه أيضاً خوارزميات المنصات التي تروّج للمحتوى الإيجابي والمثير بصرياً. وبالتالي، فإن مشاركة الأوقات الصعبة أو اللحظات العادية لا تحظى بنفس الاهتمام، مما يدفع المستخدمين إلى التركيز على الجوانب "اللامعة" في حياتهم.
التبعات النفسية والاجتماعية
رغم أن نشر الجوانب الإيجابية قد يبدو أمراً صحياً ومحفزاً، إلا أن استمرار هذا النمط قد يؤدي إلى آثار نفسية عكسية. فالمتابع الذي يرى هذا الكم الهائل من "السعادة المصطنعة"، قد يشعر بالدونية أو الفشل، خاصة إذا كان يعيش لحظة صعبة أو فترة فتور نفسي.
وقد أثبتت عدة دراسات حديثة وجود علاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف وارتفاع معدلات القلق والاكتئاب، خصوصاً لدى فئة الشباب. فالمقارنة الدائمة مع "النسخ المثالية" للآخرين قد تجعلنا نشعر بأننا لا نعيش كما ينبغي، بينما الحقيقة أن الجميع يواجه تحديات وصعوبات، لكنهم فقط لا يشاركونها علناً.
بين الخصوصية والصدق
من المهم هنا أن نميز بين حق الإنسان في الاحتفاظ بخصوصيته، وبين التزييف المتعمد للواقع. فليس المطلوب أن نحول صفحاتنا إلى مساحات لبث الشكوى والهم، لكن في المقابل، لا ينبغي أن نغرق في التظاهر بسعادة دائمة لا وجود لها.
قد يكون من الأفضل تبني نوع من "الواقعية الرقمية"، نشارك من خلالها جوانبنا المتعددة دون أن نشعر بالخجل من عيوبنا أو لحظات ضعفنا. هذه الخطوة لا تفتح فقط باباً للتواصل الإنساني الحقيقي، بل قد تكون متنفساً صادقاً للكثيرين ممن يعتقدون أنهم وحدهم من يعانون.
هل نحتاج إلى توازن جديد؟
ربما آن الأوان لإعادة النظر في علاقتنا بمواقع التواصل الاجتماعي، والاعتراف بأنها لا تعكس دائماً الحقيقة كاملة. فخلف كل صورة "مثالية"، قصة لا نراها. وخلف كل "ابتسامة رقمية"، مشاعر قد لا تُقال.
علينا أن نتعلم كيف نستهلك هذا المحتوى بوعي، وألا نُقارن أنفسنا بنسخ مُعدّلة من الآخرين. وفي المقابل، كصانعي محتوى – حتى لو كنا مجرد مستخدمين عاديين – يجب أن نُدرك مسؤوليتنا في عرض حياة أكثر توازناً وإنسانية. فالحقيقة، بكل ألوانها، تملك قوة لا توازيها فلاتر العالم الرقمي.
لأننا بشر، ولسنا فقط صوراً للعرض.


تعليقات