top of page

حين يلتقي الطفل بالحكمة والظل

  • nourelkomy1245
  • 8 أكتوبر
  • 2 دقيقة قراءة
ree


بقلم :معمر حسين اليافعي (ابن الحصن)


في زاوية من زوايا الوعي، حيث لا يصل ضوء العلم وحده، وحيث لا تكفي الفلسفة لتفسير الحياة، يجلس ثلاثة مفكرين عظام على طاولة واحدة من نور وظل وصمت…

بياجيه، ذلك العاشق لخطوات الطفل الأولى في التفكير، وفرانكل، المتأمل في خرائط الروح داخل غرف الغاز، ويونغ، الذي دخل في دهاليز النفس كما يدخل الشاعر مغارات المعنى بحثًا عن ذاته الضائعة.


كأن كل واحدٍ منهم كان يمسك بجزء من الإنسان… بياجيه بالعقل حين يُولد، فرانكل بالروح حين تُختبر، ويونغ بالظل حين يُهمَل.

بياجيه لا يرى الإنسان إلا كائنًا يبني ذاته بالمعرفة والتفاعل، يبدأ من الصفر ويصعد كالسلم مرحلة بعد أخرى. فرانكل لا يهتم كيف بُني العقل، بل كيف يصمد حين يتهدّم. أما يونغ، فكان يهمس: "كلكم تنظرون إلى النور… لكن الإنسان لا يكتمل حتى يعانق ظلَّه".


بياجيه علّمنا أن الفكر يُبنى من الداخل، خطوة بخطوة، كأن الطفل يحمل بين يديه أدوات الفهم ولا يدري. يسأل، يخطئ، يُجرّب… حتى يولد الإدراك. أما فرانكل، فكان يصرخ فينا بأن الإنسان حين يُحرم من كل شيء، لا يفقد ذاته ما دام يجد معنى. هو لا يبحث عن السعادة، بل عن المعنى… حتى لو في الألم. ثم يأتي يونغ ليضع مرآته السوداء، ويقول: "كل ما لم تواجهه فيك، سيتحول إلى قَدَر".


بين الثلاثة، نحن نولد، ننجو، ونكتمل.

بياجيه يمنحنا الطفولة، فرانكل يمنحنا الأمل، ويونغ يمنحنا الشجاعة للنظر في أعيننا.

الأول يبدأ باللعب، الثاني يبدأ بالمحنة، والثالث يبدأ بالحلم.


كأن العقل حين يولد لا يحتاج إلى الأجوبة، بل إلى حرية السؤال (كما قال بياجيه).

وحين ينكسر، لا يحتاج إلى العزاء، بل إلى جدوى تبقيه واقفًا (كما علّمنا فرانكل).

وحين يُكمل النضج، لا يحتاج إلى الانتصار فقط، بل إلى مصالحة مع ظلاله (كما أوصى يونغ).


بياجيه أراد للمعلم أن يصغي، لا أن يلقّن.

فرانكل أراد للطبيب أن يصغي إلى الصمت بين الكلمات.

ويونغ أراد لكل إنسان أن ينصت إلى الأصوات الخافتة في أحلامه، في مشاعره الغريبة، في انفعالاته غير المفسرة… فهناك يسكن "هو"، الجزء غير المرئي الذي إن أنكرناه، امتلكنا.


لو جمعناهم في داخلنا، لصارت الحياة أكثر اتزانًا:

نعرف كيف نُفكر (بياجيه)، لماذا نستمر (فرانكل)، وماذا ينقصنا لنكون كاملين (يونغ).

الأول يمنحنا البناء، الثاني يمنحنا البوصلة، والثالث يمنحنا الخريطة.


وحده من يستوعب بياجيه في طفولته، ويصمد مع فرانكل في محنته، ويواجه يونغ في ظلاله… هو من يعبر الحياة وهو يعرف نفسه حقًا.


كل فكرٍ منهم كان طريقًا نحو الحرية:

بياجيه حرر الطفل من سلطة التلقين،

فرانكل حرر الإنسان من عبودية الألم،

ويونغ حرر العقل من وهم النور الكامل.


ثلاثة رجال، لكنهم كتبوا في داخلنا كتابًا لا ينتهي…

كتابًا عنوانه: كيف تصبح إنسانا


بياجيه: نمو المعرفة

فرانكل: المعنى وسط الألم

يونغ: الظل واللاوعي والاكتمال


ابن الحصن :

كاتب وباحث عُماني مهتم بالفكر، الهوية، والفلسفة المعاصرة.

رئيس تحرير سابق لمجلة بيادر.

صاحب تجربة طويلة في الإعلام، التجارة، والثقافة.

مؤسس مشروع ثروان؛ رؤية ثقافية وتجارية تهدف إلى إحياء التراث الخليجي بروح عصرية، ووصل الماضي بالحاضر، واستثمار الهوية كقوة ناعمة في صناعة المستقبل. (ثروانيات )













































تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page