سفينة عُمان: رحلة بين الأمواج والتاريخ في مشروع عالمي فريد
- saad25105
- 12 فبراير
- 2 دقيقة قراءة

بقلم: سيلينا السعيد
في قلب المحيطات الشاسعة، حيث يلتقي الأزرق العميق بصفحات التاريخ، تبحر سفينة عُمان ليس فقط كمشروع بحري، بل كتجسيد حي للعلاقة الأزلية بين الإنسان والبحر، بين التراث والمستقبل، وبين الهوية والتحدي. مشروع منظمة اليونيسكو لإعادة بناء هذه السفينة العُمانية لا يهدف إلى استرجاع مشهد من الماضي فحسب، بل هو رحلة بحث في عمق الزمن عن معنى الاستمرارية الثقافية وسط عالم متغير.
البحر: مسرح الحضارات وذاكرة الشعوب
لطالما كان البحر مرآة تعكس تطور الحضارات، ومسرحًا للتواصل بين الشعوب. منذ فجر التاريخ، كانت السفن جسورًا تربط بين الثقافات، تحمل البضائع والأفكار، وترسم خرائط لمستقبل لم يكن معروفًا بعد. في هذا السياق، تمثل سفينة عُمان امتدادًا لهذه الفلسفة، حيث لم يكن البحر مجرد ممر مائي، بل فضاءً رحبًا للمغامرة والتجارة والتفاعل الثقافي. وكما قال الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس: “لا يمكنك أن تبحر في نفس النهر مرتين، لأن الماء يتغير دائمًا”، فإن البحر أيضًا دائم التحول، لكنه يبقى شاهدًا على ذاكرة الأمم.
مشروع اليونيسكو: إعادة إحياء أم استشراف المستقبل؟
يهدف مشروع اليونيسكو إلى إعادة بناء سفينة عُمان بنفس التقنيات والمواد التي استخدمها البحارة العُمانيون قبل قرون. إنه ليس مجرد توثيق تاريخي، بل محاولة لفهم كيف يمكن للتراث أن يصمد أمام رياح التغيير. لكن، هل نحن نستعيد الماضي كما كان، أم أننا نعيد تشكيله من منظور جديد؟
يذهب الفيلسوف الفرنسي بول ريكور إلى أن إحياء الماضي ليس مجرد استرجاع للأحداث، بل هو إعادة تفسير للحاضر عبر الذاكرة. وهنا تكمن أهمية سفينة عُمان: فهي ليست مجرد إعادة بناء لسفينة تاريخية، بل رمز لصمود الهوية البحرية العُمانية في عالم تسوده العولمة والتكنولوجيا.
الهوية البحرية: بين الأصالة والعولمة
في زمنٍ أصبحت فيه السفن مجرد آلات ضخمة تعمل وفق برمجيات متطورة، تبرز مشاريع مثل سفينة عُمان كتذكير بأهمية الجذور الثقافية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لهذه المشاريع أن تعيد للبحر دوره كمصدر للهوية والانتماء؟
يرى الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر أن الإنسان لا يعيش في العالم فقط، بل هو متجذر في بيئته وتاريخه. وفقًا لهذا المنظور، فإن إعادة بناء سفينة عُمان ليست مجرد مبادرة تراثية، بل هي محاولة لإحياء العلاقة بين العُماني والبحر، ليس فقط كوسيلة اقتصادية، بل كهوية وثقافة متوارثة تعكس روح المغامرة والاستكشاف التي ميزت البحارة العُمانيين لعصور طويلة.
الخاتمة: البحر كرمز للبقاء والتجدد
مثل السفن التي تمضي بلا يقين حول ما ينتظرها في الأفق، فإن مشروع سفينة عُمان هو رحلة بين الماضي والمستقبل، بين الأصالة والتجديد. وكما قال الشاعر العُماني أبو مسلم البهلاني:
“والموج يطوي صفحة من بعد صفحة… فإما إلى أمن وإما إلى خطر.”
إن هذا المشروع ليس مجرد إعادة بناء سفينة قديمة، بل هو درس فلسفي في كيفية التمسك بالجذور دون أن نقع في فخ الجمود، وكيفية الإبحار نحو المستقبل دون أن نفقد بوصلتنا الثقافية. سفينة عُمان ليست مجرد خشب وأشرعة، بل قصة أمة ترفض أن تغرق في النسيان، وتصر على الإبحار رغم كل التحديات.


تعليقات