top of page

قياتي عاشور : هل ترى القصة كاملة.. أم نصف الحقيقة فقط؟

  • saad25105
  • قبل 4 ساعات
  • 2 دقيقة قراءة

ree

في عالمنا سريع التغير، تبدو المشكلات من حولنا معقدة ومتشابكة، وكثيرًا ما نشعر أن الإجابات البسيطة لم تعد تكفي. كباحث في علم الاجتماع، تعلمت أن الحقيقة ليست شيئًا واحدًا صلبًا، بل هي أشبه بألماسة متعددة الأوجه؛ كل وجه منها يعكس ضوءًا مختلفًا ويكشف لنا زاوية جديدة من الواقع. هذا المقال ليس دعوة لنتفق جميعًا على رأي واحد، بل هو دعوة لنتعلم كيف ننظر إلى قضايانا بعيون مختلفة، وهو ما نحتاجه اليوم لفك شفرات مجتمعنا المعقد.


لنفكر في أسئلة نسمعها كل يوم في مصر: لماذا يرفض البعض التطعيمات رغم الحملات الصحية؟ أو لماذا يعاني الشباب من البطالة رغم وجود مشروعات كبرى؟ غالبًا ما تقفز إلى أذهاننا إجابات سهلة ومختصرة مثل "هم جهلة" أو "الشباب لا يريدون العمل". لكن هذه الإجابات السطحية تتجاهل عمق الحقيقة وتغلق الباب أمام أي فهم حقيقي.


إذا نظرنا بعمق أكبر، سنجد أن رفض اللقاحات قد لا يكون مجرد جهل، بل قد يكون صراعًا بين الثقة في العلم الرسمي والثقة في حكمة الأجداد أو الجماعة المحيطة، أو قد ينبع من حالة عدم ثقة في المؤسسات الرسمية. وبالمثل، حين نتحدث عن بطالة الشباب، فالمشكلة قد لا تكون الكسل، بل قد تكمن في فجوة هائلة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، أو أن الفرص المتاحة لا تناسب طموحاتهم وتطلعاتهم التي تشكلت عبر سنوات.

تتجلى هذه الرؤية المتعددة بوضوح في أزمة الإسكان، فيمكننا أن نراها بعدسة القوة والمال، حيث يستفيد كبار المستثمرين من ارتفاع الأسعار، مما يجعل امتلاك منزل حلمًا بعيد المنال للكثيرين. ويمكننا أن نراها أيضًا من خلال عدسة النظام العام، حيث تعمل المنظومة كلها (بنوك، شركات، قوانين) للحفاظ على استقرار اقتصادي أوسع، حتى لو كان ذلك على حساب فئات معينة. أو حتى بعدسة حياتنا اليومية، حيث يرسم لنا الإعلام والمسلسلات صورة "لبيت الأحلام" الذي يرفع سقف طموحاتنا ويجعلنا نرفض ما هو متاح. كل زاوية تكشف جزءًا من القصة الكاملة.

كل عدسة من هذه العدسات ترينا جزءاً من الحقيقة، لكن المشكلة الحقيقية أننا أصبحنا نختار عدسة واحدة ونرفض النظر بغيرها. لقد أصبحنا أقل مرونة في تفكيرنا، ووسائل التواصل الاجتماعي، التي نرى العالم من خلالها، تضع كل واحد فينا داخل فقاعة خاصة. داخل هذه الفقاعة، لا يظهر لنا إلا ما يوافق أفكارنا، مما يجعلنا نعتقد أن رأينا هو الصواب الوحيد. هذا الأمر أدى لانتشار الإجابات الجاهزة، وقتل أي فرصة للنقاش الهادف، واستبدل ثقافة الحوار الهادئ بثقافة الهجوم والتشهير.

وهنا يكمن الحل، فمهمتنا كمواطنين ومفكرين ليست في امتلاك إجابات نهائية، بل في طرح أسئلة أعمق وأكثر وعيًا. علينا أن نستبدل ثقافة الهجوم بثقافة الفهم، أن نتعلم كيف نستمع لبعضنا البعض باهتمام بدلًا من أن يتحدث كل طرف دون أن يسمع الآخر. إن تبني الشك الصحي والبحث عما وراء السطح ليس رفاهية فكرية، بل هو الأداة التي تفتح أبواب الفهم المشترك، وهو ما نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى.

الخلاصة ليست في توحيد الآراء، بل في إثراء الحوار. فكل وجهة نظر هي جزء من قصة مجتمعنا الكبرى. وبدون الاستماع لكل الأجزاء، ستظل القصة التي نرويها عن أنفسنا مبتورة.

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page