كازاخستان… حيث تتكلم القلوب
- nourelkomy1245
- قبل 15 دقيقة
- 11 دقيقة قراءة

إعداد و كتابة سيلينا السعيد
في عالمٍ تتكاثر فيه الشروخ، وتضيق فيه المساحات الآمنة بين الطوائف والعقائد، هناك بلدٌ في قلب آسيا الوسطى قرر أن لا يرفع لافتات، بل أن يغرس الأشجار.
كازاخستان، هذه البلاد التي عرفت عبور القوافل القديمة والرياح المتقاطعة من الشرق والغرب، قررت أن لا تكون صدىً للانقسامات، بل صوتًا للرجاء.
هنا، حيث تهبّ نسائم السهوب، وتُعانق الجبال السماء، تولد حكاية لا تُروى بالسيوف، بل بالكلمات. ولا تُحفر على الحجر، بل في القلوب.
منذ عام 2003، حين أطلقت النسخة الأولى من مؤتمر قادة الأديان العالمية والتقليدية، بدأت كازاخستان في كتابة فصل مختلف من فصول السياسة الدولية. فصلٌ لا يبدأ ببيانٍ حكومي، بل بمثل شعبي:
“berekeni kokten tileme, birligi mol kopten tile”
“لا تطلب البركة من السماء، بل من وحدة الناس.”
بهذا المثل الذي يختصر فلسفة شعب بأكمله، اختارت كازاخستان أن تنحاز إلى الضمير، وأن تكون منبرًا للحوار حين سكتت الأصوات، وملاذًا للقاء حين ارتفعت الأسوار.
لم يكن هذا المؤتمر مجرد اجتماع لرجال الدين، بل مرآةً لروحٍ إنسانية تبحث عن ذاتها في زمنٍ جاف، تشحّ فيه الرحمة وتضيع فيه المعاني.
كل دورة كانت كأنها صلاة عالمية، يشارك فيها المسلم والمسيحي والبوذي والهندوسي، لا ليتغلب أحدهم على الآخر، بل ليقول كلٌ منهم: أنا أراك، وأحترمك، وأرغب أن أسمعك.
في أستانا، المدينة التي تنمو كشجرة صامتة وسط صخب العالم، كانت النية دائمًا أسبق من البروتوكول. وكانت الكلمة تُقال لا من على المنبر فحسب، بل من عمق القلب.
الفصل الثاني: الخلفية السياسية والدبلوماسية
لماذا آمنت كازاخستان بالحوار؟
لفهم المسار الفريد الذي اتخذته كازاخستان في مجال حوار الأديان، لا بد من العودة إلى لحظة ميلادها السياسي المعاصر.
في عام 1991، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، وُلدت كازاخستان كدولة مستقلة على خريطة العالم، حاملةً إرثًا ثقافيًا شاسعًا، وتحديات اقتصادية وأمنية بالغة الصعوبة. لم يكن أمامها ترف الوقت، بل كان عليها أن تعيد تعريف نفسها: من هي؟ وما الذي ستقوله للعالم؟
على خلاف دول أخرى اختارت الانغلاق القومي أو التجاذب الجيوسياسي الحاد، تبنّت كازاخستان ما يمكن تسميته بـالدبلوماسية الأخلاقية.
ومنذ السنوات الأولى للاستقلال، بدأ الرئيس المؤسس نور سلطان نزارباييف برسم ملامح سياسة خارجية فريدة، تقوم على ثلاثة أعمدة:
1.السلام الداخلي المبني على التعددية؛
2.الحياد الإيجابي في السياسة الدولية؛
3.القيادة الإقليمية عبر الحوار لا الهيمنة.
وقد تجلّى هذا النهج في مبادرات واضحة، أبرزها:
•تخلي كازاخستان طوعًا عن الترسانة النووية التي ورثتها من العهد السوفييتي، لتصبح أول دولة في العالم تقوم بذلك.
•انضمامها إلى المنظمات الدولية بروح منفتحة، كالأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
•تأسيس مركز أستانا للحوار بين الحضارات، والذي كان النواة الأولى لمؤتمر قادة الأديان لاحقًا.
كازاخستان لم تكن فقط تبحث عن دور جيوسياسي، بل عن رسالة حضارية. أدركت أن موقعها الجغرافي بين روسيا والصين وأوروبا يجعلها جسرًا محتملاً، وأن تنوعها الديني والعرقي يفرض عليها أن تكون مختبرًا للتعايش لا ميدانًا للصراع.
وهكذا، لم يكن خيار حوار الأديان مجاملة دبلوماسية، بل استراتيجية وطنية تتجذر في فهم عميق للتاريخ والجغرافيا، وفي توقٍ إنساني إلى عالمٍ أقل ضجيجًا… وأكثر إصغاءً.
الفصل الثالث: إطلاق المؤتمر منذ 2003
من لحظة رمزية إلى منصة دولية
في صباحٍ من خريف عام 2003، اجتمع عشرات القادة الدينيين من قارات العالم الخمس في العاصمة الكازاخية أستانا، تلبيةً لدعوة غير مسبوقة في التاريخ السياسي الحديث:
مؤتمر يجمع الأديان لا للجدال… بل للسلام.
لم يكن ذلك الحدث مجرّد بروتوكول سياسي، بل بداية مسارٍ ممتدّ، سيُعرف لاحقًا باسم مؤتمر قادة الأديان العالمية والتقليدية.
جاءت المبادرة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، التي غيّرت وجه العالم، وأدخلت الخطاب الديني في دوامة من الاتهامات وسوء الفهم والكراهية المتبادلة.
في تلك اللحظة، اختارت كازاخستان أن تتحرك عكس التيار: لا لإشعال الحروب الإعلامية، بل لإشعال شمعة الحوار.
من كان الحاضر؟
في الدورة الأولى، شارك ممثلون عن:
•الإسلام (السنة والشيعة)،
•المسيحية (الكاثوليكية، الأرثوذكسية، البروتستانتية)،
•البوذية،
•اليهودية،
•الهندوسية،
•الشنتوية،
•والطاوية.
كان الحاضرون مختلفي الزي واللغة والمرجعيات، لكنهم اجتمعوا على نية مشتركة: أن الدين ليس سببًا للحرب، بل يمكن أن يكون طوق نجاة لها.
الرئيس نور سلطان نزارباييف، الذي قاد المبادرة شخصيًا، أكد في خطابه الافتتاحي:
“ليس المطلوب أن نذوّب الأديان في بعضها… بل أن نُعلّم العالم أن التنوّع ليس تهديدًا، بل ثروة.”
أهداف المؤتمر منذ انطلاقه:
•بناء منصة دائمة للتواصل بين قادة الأديان.
•تعزيز قيم السلام، التفاهم، والاحترام المتبادل.
•مواجهة التطرف الديني والفكري.
•تشجيع التعليم الديني الوسطي.
•دعم المجتمعات المتعددة في مواجهة خطابات الكراهية.
الموقع والرمزية:
اختيرت أستانا – التي كانت حديثة النشأة كعاصمة – لتكون مهد هذا الحوار، وقد بُني خصيصًا لها مركز قصر السلام والوئام (Palace of Peace and Reconciliation)، وهو مبنى هرمي صممه المعماري البريطاني نورمان فوستر، يرمز إلى التقاء الخطوط الدينية والسياسية تحت سقف واحد.
منذ ذلك العام، تحوّل المؤتمر إلى حدث ثلاثي السنوات، يُقام بانتظام، وتُوجَّه الدعوات فيه من قبل الدولة الكازاخية دون تمييز، فيستجيب الفاتيكان كما تستجيب الجامع الأزهر، وتجلس طاولة واحدة عليها عمائم بيضاء وصلبان وأردية برتقالية.
الفصل الرابع: أستانا منصة للحوار العالمي
من قاعة مؤتمرات إلى رئة للأمل
في قلب سهوب آسيا، حيث تتّسع الأرض حتى تلامس الأفق، نهضت أستانا كعاصمة لا تُشبه العواصم الأخرى. مدينة حديثة بملامح حلم، تتوسّط المسافة بين الشرق والغرب، وبين السماء والأرض. ومنذ عام 2003، لم تعد فقط مركزًا للحكومة والإدارة، بل تحوّلت إلى منصة عالمية للضمير الإنساني.
كل ثلاث سنوات، تُبدّل المدينة زيّها الرسمي، وترتدي ثوب السلام. تُزيَّن شوارعها برايات الأديان، وتُفتح أبواب المساجد والكنائس والكنس للجميع. ليست مجرّد استضافة لمؤتمر، بل طقس مدني–روحي جماعي يشارك فيه الشعب كما القادة.
قصر السلام والوئام: معمار يترجم الفكرة
في قلب أستانا، يقع “قصر السلام والوئام”، المبنى الذي صممه المعماري العالمي نورمان فوستر، على شكل هرم زجاجي يعانق السماء.
هذا الهرم ليس مجرد تحفة فنية، بل رمزٌ فلسفي:
•الهرم يوحي بالاستقرار.
•القاعدة تمثّل التنوع والاختلاف.
•القمة تُمثّل الهدف المشترك… وحدة البشرية.
في داخله، تُعقد جلسات المؤتمر، وتُسمع فيه صلوات بلغات العالم، وأصوات الحكمة من كل دين.
وقد وصفه أحد الصحفيين الغربيين بأنه:
“كاتدرائية بلا صليب، ومسجد بلا مئذنة، ومعبد بلا تماثيل… لكنه مليء بالحقيقة”.
من الحضور الرمزي إلى التأثير السياسي
لم يكن الحضور في المؤتمر شكليًا، بل حضرته شخصيات مرجعية من الصف الأول:
•البابا بندكتوس السادس عشر ثم البابا فرنسيس.
•شيخ الأزهر أحمد الطيب.
•الحاخام الأكبر لإسرائيل والشتات الأوروبي.
•ممثلون عن البوذية التبتية والهندوسية والشنتو الياباني.
وفي كل مرة، تُطرح مواضيع تُمسّ لبّ القلق الإنساني:
•في عام 2009: “الإيمان في زمن العولمة”،
•في 2012: “الأخلاق والدين في عالم التكنولوجيا”،
•في 2022: “ما بعد الجائحة: هل بقي في القلب مكانٌ للإيمان؟”.
في تلك القاعات، لا يُطلب من أحد أن يتنازل عن معتقده، بل أن يعترف بإنسانية الآخر.
وهكذا، باتت أستانا أشبه بـ”رئة أخلاقية يتنفّس بها العالم”، كما وصفها أحد الحاضرين.
أثر يتجاوز الحدود
لم تتوقف نتائج المؤتمر عند حدود كازاخستان، بل أثرت على:
•خطابات مجلس الأمن الدولي حول مكافحة التطرف.
•وثائق مجلس الكنائس العالمي والمنظمات الإسلامية.
•برامج اليونسكو في التعليم الديني والحوار الثقافي.
كما ألهم المؤتمر مبادرات مماثلة في دول مثل:
•أذربيجان (منتدى باكو للأديان).
•المغرب (منتدى فاس).
•الإمارات (وثيقة الأخوة الإنسانية في أبوظبي 2019).
الفصل الخامس: وثيقة المبادئ وتطوّرها
من النصوص إلى النبض الأخلاقي
في عام 2006، خلال الدورة الثانية من مؤتمر قادة الأديان، لم يكتفِ الحاضرون بالمصافحة الرمزية، بل قرروا أن يُرسّخوا ميثاقًا أخلاقيًا، يصلح لأن يكون أرضية مشتركة في عالمٍ يضجُّ بالانقسام.
وهكذا وُلدت “وثيقة المبادئ العامة للحوار بين الأديان”، لا كمجموعة شعارات تجميلية، بل كعهد صادق بين قلوبٍ اختلفت على الطقوس، لكنها التقت على الإنسان.
ما هي هذه الوثيقة؟
الوثيقة تتضمن عددًا من المبادئ الجوهرية، أهمها:
1.الاعتراف بحق كل إنسان في الإيمان أو عدمه، دون إكراه أو اضطهاد.
2.إدانة كل أشكال العنف باسم الدين، وتجريم التحريض الطائفي.
3.الدعوة إلى التربية على التسامح منذ الطفولة.
4.دعم الحريات الدينية والثقافية، في ظل احترام سيادة الدول.
5.العمل المشترك لمواجهة الفقر، والجهل، والتهميش، باعتبارها وقودًا للتطرّف.

اللغة الأخلاقية لا القانونية
ما يُميز هذه الوثيقة أنها ليست وثيقة دولية تُقاس بلغة القانون، بل بلغة الضمير الجماعي.
إنها تُشبه ما يمكن أن نُسميه بـ”الوصايا الإنسانية الكبرى”، التي تصلح أن تُعلّق في مدرسة، أو أن تُدرّس في جامعة، أو أن تُقال في خطبة صلاة أو في مقدمة دستور.
وقد جاءت الوثيقة بتوافق فريد، لم يُعكّره اختلاف مذهبي أو عقائدي، لأن جوهرها لم يكن إقناع الآخر، بل الاعتراف بإنسانيته، قبل أن تُحاول هدايته.
🧭 تجديد النص عبر السنين
على مر الدورات اللاحقة، تم تحديث الوثيقة وإغناؤها بمفاهيم جديدة:
•في 2012 أُضيف بند عن أخلاقيات الإعلام في مواجهة الأخبار الزائفة وخطاب الكراهية.
•في 2015 أضيفت دعوة لحماية التراث الديني في مناطق النزاع (مثل العراق وسوريا).
•في 2022 جرى إدراج فقرات عن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، باعتبار التكنولوجيا ساحةً جديدة للضمير.
لقد أثبتت الوثيقة أنها كائن حي، ينبض ويتطوّر، لأنها لا تستند إلى نظرية، بل إلى واقعٍ متغيّر… وقلبٍ يُصرّ على أن يسمع
الفصل السادس: تحليل مضمون الدورات السبع
ماذا تغيّر؟ ماذا بقي؟
على مدى أكثر من عقدين، شكّل مؤتمر قادة الأديان العالمية والتقليدية فضاءً تراكميًا لنضج الحوار، ومرآةً تعكس تطور السياقات العالمية.
من دورة إلى أخرى، تغيّرت العناوين والملفات المطروحة، لكن الثابت الوحيد كان: الإصرار على إبقاء باب الكلمة مفتوحًا، حتى عندما تُغلق الأبواب الأخرى.
الدورة الأولى (2003): التأسيس على النية
•السياق: ما بعد هجمات 11 سبتمبر.
•الروح: كسر الجليد بين الأديان.
•النتائج: إطلاق المبادرة، رسم هيكل المؤتمر، الاتفاق على تكرار اللقاء كل 3 سنوات.
كانت البداية كمن يشعل شمعة في غرفة مظلمة، لا يرى طريقًا لكنه يثق بالنور.
الدورة الثانية (2006): من التمثيل إلى التأسيس
•تم إطلاق وثيقة المبادئ.
•توسعت المشاركة من 17 دولة إلى أكثر من 30.
•خُصّصت جلسات لمناقشة “الكرامة الإنسانية في ظل التعدد”.
كانت هذه الدورة بمثابة الاتفاق على دستور أخلاقي غير مكتوب للعالم.
الدورة الثالثة (2009): العقل والدين في زمن العولمة
•طُرحت لأول مرة أسئلة معاصرة:
هل يستطيع الدين أن يواكب التكنولوجيا؟ هل الأخلاق عالمية أم نسبية؟
•مشاركة أوسع من الأكاديميين والمؤسسات التعليمية.
الدورة الرابعة (2012): الدين والإعلام
•برز فيها الحديث عن دور الإعلام في بناء الصور النمطية عن الأديان.
•نوقشت تجارب من فرنسا والهند والشرق الأوسط حول التعايش.
قيل فيها: “قد تقتل صورة أكثر مما تقتل طلقة.”
الدورة الخامسة (2015): الأديان والشباب
•خُصّصت جلسات للشباب من مختلف الديانات.
•ناقشوا مخاوفهم وهوياتهم، وكيف يرون الإيمان في زمن التشويش.
خرجت منها توصية بإنشاء منابر شبابية للحوار متعدد الأديان.
الدورة السادسة (2018): الدين والتنمية المستدامة
•ناقشت العلاقة بين الإيمان والعمل البيئي.
•طرحت قضايا مثل: الاستهلاك، التوازن البيئي، الجوع، والعدالة الاقتصادية.
الدورة السابعة (2022): ما بعد الجائحة
•جاءت تحت شعار:
“دور قادة الأديان في التنمية الروحية والاجتماعية للبشرية بعد كوفيد-19.”
•حضرها أكثر من 100 زعيم ديني من 60 دولة.
•ناقشوا الوحدة الإنسانية في مواجهة الفقد، الخوف، والعزلة.
قيل فيها: “حين تُغلق المعابد، يجب أن تُفتح القلوب.”
الدروس المستخلصة:
•كل دورة كانت انعكاسًا لنبض العالم في لحظته.
•لم يكن المؤتمر ثابتًا بل متفاعلًا… أشبه بجسد حيّ يتأثر بالبيئة والقلق العالمي.
•ومع الوقت، بات المؤتمر لا يردّ فقط على الكوارث، بل يستبقها عبر خطاب وقائي، يعيد للروح الإنسانية اتزانها.
الفصل السابع: كازاخستان في قلب العالم الإسلامي والمسيحي
من الحياد إلى القيادة الروحية الهادئة
حين نُفكّر في العواصم المؤثرة على الحوار الديني العالمي، قد تتبادر إلى الذهن روما أو القاهرة أو القدس… لكن بهدوءٍ وبدون ضجيج، صنعت كازاخستان لنفسها مكانة مميزة على خارطة الإيمان.
لقد اختارت طريقًا نادرًا: أن لا تنحاز لدين، بل تنحاز للضمير. أن لا تمارس السلطة الدينية، بل تستضيفها، وترعاها، وتُعطيها مساحة كي تتكلّم.
دورها في العالم الإسلامي
•كازاخستان دولة ذات أغلبية مسلمة (حوالي 70% من السكان)، تنتمي للمذهب الحنفي المعروف بمرونته واعتداله.
•رغم ذلك، لم تُقدّم نفسها يومًا كدولة دينية، بل كمجتمع تعددي يحتضن الأديان.
•دعمت حضور شيخ الأزهر في المؤتمرات، وقدّمت أرضًا خصبة للحوار السني–الشيعي في بيئة لا تحكمها الصراعات السياسية.
قال أحد العلماء من العالم العربي:
“في كازاخستان، شعرت أنني مسلم لا يحتاج لأن يشرح نفسه.”
دورها في العالم المسيحي
•وجود قوي للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، والكاثوليكية، والإنجيلية، نتيجة الإرث السوفييتي وتعدد القوميات.
•البابا فرنسيس زار كازاخستان رسميًا في عام 2022، وشارك شخصيًا في مؤتمر الأديان، وامتدح موقفها قائلاً:
“كازاخستان تعلّمنا أن التنوع لا يُدار بالقوة، بل بالرعاية.”
•كما زارها ممثلون عن الكنائس الشرقية والغربية، ما جعلها نقطة التقاء نادرة بين مدارس لاهوتية قد لا تجتمع إلا هناك.
بوذية، هندوسية، يهودية… في سهوب آسيا
•استقبلت كازاخستان ممثلين عن أديان أخرى بمنتهى الانفتاح:
•الحاخامات وجدوا فيها منصة محايدة تُتيح الدفاع عن السلم بدلًا من الدفاع عن الجدران.
•الرهبان البوذيون اعتبروها أرضًا صامتة تفهم معنى التأمل في زمن التسرّع.
•الهندوس احتفوا بدعوة كازاخستان إلى خطاب كوني لا يُقصي أحدًا.

من الحياد إلى القيادة الأخلاقية
كازاخستان لم تدّعِ أنها تحمل مفاتيح الجنة، ولا أنها تملك الحقيقة المطلقة. لكنها قالت شيئًا أبسط وأصدق:
“فلنسمع بعضنا… قبل أن نحكم على بعضنا.”
وهذا في حد ذاته شكلٌ راقٍ من أشكال القيادة الأخلاقية… قيادة لا تصرخ، بل تُنصت.
الفصل الثامن: تأثير المؤتمر على العلاقات الدولية
عندما تتكلّم الأديان بلغات الأمم
في عالم السياسة الدولية، كثيرًا ما يُنظر إلى الدين كعامل يُعقّد المفاوضات، أو يُشعل النزاعات، أو يُستخدم كأداة تعبئة وتجييش. لكن كازاخستان قلبت هذه الصورة رأسًا على عقب، وقدّمت نموذجًا نادرًا: أن الدين، حين يُفهم بعمق، يُصبح لغةً دبلوماسية، بل وربما الأكثر صدقًا من بين اللغات المتداولة في أروقة الأمم.
الحضور في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية
منذ الدورة الثالثة للمؤتمر، بدأت الأمم المتحدة ومؤسساتها في متابعة نتائج هذا الحدث.
وقد صدرت عدة تقارير عن:
•مكتب الأمم المتحدة لتحالف الحضارات (UNAOC)، تثني على التجربة الكازاخية.
•اليونسكو، التي اعتبرت المؤتمر منصة تعليمية غير رسمية لثقافة التسامح.
•منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، التي أوصت بأن تُدرج مبادئ المؤتمر في برامج منع التطرف.
قال المفوض الأممي السابق لحقوق الإنسان:
“في زمنٍ تضعف فيه لغة القانون، قد تكون لغة الإيمان هي الجسر الأخير.”
في الإعلام الدولي
•تغطت دورات المؤتمر على صفحات The New York Times، Le Monde, Al Jazeera English, BBC, وTRT World.
•لم يُنظر إلى المؤتمر كحدث بروتوكولي، بل كحالة اجتماعية–روحية عابرة للحدود.
•كثير من الصحفيين كتبوا عن أستانا بوصفها “عاصمة العالم الأخلاقي” الجديدة.
دور المؤتمر في تقريب السياسات المتنافرة
رغم عدم وجود قرارات سياسية تصدر عن المؤتمر، إلا أن البيئة الحوارية التي يُنتجها تخلق مناخًا يُسهّل التفاهم بين دول متخاصمة:
•أثناء التوتر الروسي–الأوروبي، اجتمع ممثلون دينيون من الجانبين في أستانا وتحدّثوا بلغة واحدة: “السلام”.
•في ظل الصراعات في الشرق الأوسط، التقى ممثلون عن المذاهب الإسلامية المختلفة، بلا حواجز ولا اتهامات.
وهذا ما يجعل من المؤتمر قوة “ناعمة” ذات تأثير عميق، لا يُقاس بالبيانات الختامية، بل بمساحات الصمت التي يولد فيها الاحترام المتبادل.
أثر أكاديمي وثقافي
العديد من الجامعات ومراكز الأبحاث بدأت بدراسة تجربة كازاخستان، كـ:
•جامعة جورجتاون (قسم الدراسات الدينية).
•جامعة كامبريدج (مركز الحوار بين الأديان).
•معهد الدراسات الشرقية في موسكو.
وقد نُشرت كتب وأوراق بحثية تناولت كيف يمكن للدين أن يكون أداة توازن دولي لا صراع قيمي.
في زمن تتهاوى فيه التحالفات الصلبة، وتتشقق القيم المشتركة، تقف كازاخستان بين الأمم لتقول:
“ربما لا نُغيّر العالم… لكن يمكننا أن نغيّر نبرة الحديث عنه.”
الفصل التاسع: دورة 2025 – بين اختبار الحاضر ورهانات المستقبل
حين تُعقد الدورة الثامنة من مؤتمر قادة الأديان العالمية والتقليدية في سبتمبر 2025، لن تكون مجرّد استمرارية زمنية.
بل ستكون دورة مفصلية في تاريخ المؤتمر، وعلامة فاصلة في علاقة العالم بالأديان. لأن السؤال لم يعد فقط: هل نستطيع أن نتفاهم؟
بل: هل بقي وقتٌ لذلك؟
السياق العالمي:
•حروب إقليمية متصاعدة (أوكرانيا، غزة، السودان…).
•صعود النزعة الشعبوية والتطرّف الديني.
•تصاعد العنف باسم الدين في بعض المناطق.
•تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى فاعلٍ جديد في تشكيل الرأي والسلوك.
كل هذه التحديات تفرض على المؤتمر أن لا يكتفي بالرمزية، بل أن يُقدّم خريطة روحية للمستقبل.
المحاور المُعلنة للدورة الثامنة:
1.الإيمان كأداة لبناء السلام، لا كسلاحٍ في يد الساسة.
2.البيئة كأمانة دينية… ومسؤولية مشتركة.
3.الذكاء الاصطناعي كاختبار أخلاقي: هل التقنية تفهم الروح؟
4.الشباب كجسر لا كمادة قابلة للتعبئة.
5.الهجرة والنزوح من منظور إنساني–ديني.
المشاركون المنتظرون:
•البابا فرنسيس (أو من يُمثله).
•شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب.
•الحاخام الأكبر لإسرائيل.
•ممثلون عن الديانات الآسيوية الكبرى.
•شبابٌ من مختلف دول العالم في جلسات خاصة لأول مرة.
كما سيتم دعوة ممثلين عن الذكاء الاصطناعي والفكر العلمي ليشاركوا بجلسة غير مسبوقة بعنوان:
“هل تصلي الآلة؟”
تطلعات وآمال:
•إطلاق منصة رقمية دائمة للحوار بين الأديان.
•إنشاء مرصد أخلاقي دولي يرصد خطاب الكراهية.
•دعم تعليم الحوار الديني في المناهج الدراسية العالمية.
•نشر وثيقة ختامية بلغة مشتركة تدمج النص الديني بالمبدأ الإنساني.
في هذه الدورة، لن يُطلب من أحد أن يُغيّر دينه، بل فقط أن يتذكّر أنه إنسان.
في عالمٍ يحترق بالمواقف، يأتي هذا المؤتمر ليقول:
“ربما لا نستطيع أن نُطفئ النار… لكن يمكننا أن نمنعها من أن تحرق القلوب.”
الفصل العاشر: خاتمة – حين تصير كازاخستان قلبًا للعالم
في زمنٍ تتكاثر فيه الحدود، وتعلو فيه الجدران بين البشر، اختارت كازاخستان أن تكون شيئًا مختلفًا. لا سلطة روحية ولا قوة عسكرية، بل ضميرًا دوليًا هادئًا، لا يصرخ… لكنه يسمع.
منذ عام 2003 وحتى اليوم، لم يكن مؤتمر قادة الأديان استعراضًا دبلوماسيًا، بل ترجمة عملية لعبارة نادرة: أن الإيمان ليس مشكلة، بل حلّ.
في هذا المؤتمر، لم يكن الدين قناعًا لتمرير الأجندات، بل مرآة للروح في زمن انكسارها.
فيه اجتمع المختلفون لا ليُقنع أحدهم الآخر، بل ليقولوا للعالم المرهق:
“نحن مختلفون… لكننا لسنا أعداء.”
في كازاخستان، الصلاة لا تُمنع، ولا تُفرض، بل تُفتح لها النوافذ.
وفي أستانا، الهرم الزجاجي الذي يلمع في برد السهوب، ليس معلمًا معماريًا فحسب، بل رمزٌ لما يمكن أن تكون عليه السياسة حين تضع قلب الإنسان أولاً.
الفرق بين مؤتمر كازاخستان وغيره، أن هنا لا يُكتب البيان الختامي بلغة الدبلوماسية، بل بلغة القلب.
وأن الوجوه، مهما اختلف لونها أو لباسها، تتوحّد على ملامح واحدة: الخوف من الحروب… والرجاء في اللقاء.
في عام 2025، وبينما يشتدّ ضجيج العالم، ستُضيء أستانا شمعتها الثامنة…
وقد لا تغيّر العالم بكامله، لكنها قد تُغيّر روحًا واحدة.
والبدايات الكبيرة… تبدأ دائمًا من هناك.