موسى…حين يصبح الخوف بداية الطريق

بقلم معمر حسين اليافعي

ابن الحصن

في كل زمن، يولد فرعون جديد.وفي كل زمن، يُولد موسى… في الظل، في المهد، في اللاشيء.

لكن الله لا يختار رسله من القصور، بل من قعر النهر، ومن رُعب الأمومة، ومن خوفٍ يرافق الطفل حتى الكهولة.

موسى عليه السلام لم يبدأ نبيًا… بل خائفًا، مترددًا، هاربًا.قتلَ رجلًا، وخرج منها خائفًا يترقّب، وتاه في أرض لا يعرفها، وسقى من لا يعرفهن، ثم جلس تحت شجرة وقال:

( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ )

يا لها من جملة… رجلٌ قوي الجسد، لكنه يعترف بفقره أمام الخير.

وهنا تبدأ الرحلة.

الله لا يختار الكاملين، بل من عاشوا الوجع، وسكنوا الألم، وفهموا الخوف جيدًا، لكنهم لم يستسلموا له.

موسى كان يخاف… لكنه ذهب.

قال له الله:( اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ )

فيجيبه:( رَبِّ إِنِّي أَخَافُ )

ومع ذلك… ذهب.

القيادة ليست في غياب الخوف، بل في المشي رغم الخوف.الطغيان لا يُهزم بصرخة، بل بثبات نبي يضع العصا على الأرض بثقة، ويعلم أن البحر سينشق… إن أمره الله.

موسى لم يكن وحده، ومع ذلك شعر بالوحدة.

لم يكن ضعيفًا، ومع ذلك ارتجف.لكنّه استند إلى القوة الأعظم:

"كلا، إن معي ربي سيهدين."

هذه ليست قصة موسى فقط، بل قصة كل من واجه طغيانًا أكبر منه، وكل من ظنّ أن صوته لا يُسمع، وكل من وقف أمام "فرعون" في حياته… وظنّ أنه لن ينجو.

النجاة لا تأتي من كثرة المؤيدين، بل من يقين القلب.والمعجزات لا تبدأ حين يصرخ الناس، بل حين يلقي المؤمن عصاه وهو لا يعلم كيف ستتحول.

في رحلة موسى، نتعلم أن الخوف لا يُلغى، بل يُقاد.وأن النهر الذي ألقيت فيه يومًا، قد يكون ذات يوم هو طريق العودة… حين تصبح رسالتك أقوى من جُرحك.

كلنا موسى… في مرحلة من حياتنا.خائفون، مرتبكون، نرتجف أمام التحديات، ونحمل ما لا يُحتمل.

لكن السؤال ليس: هل تخاف؟

بل: هل تمشي رغم الخوف؟

كن مثل موسى…

احمل رسالتك، وواجه فرعونك،

ولو كانت يدك ترجف… ضعها في جيبك، وستخرج بيضاء.

ابن الحصن

كاتب وباحث عُماني مهتم بالفكر، الهوية، والفلسفة المعاصرة.

رئيس تحرير سابق لمجلة بيادر.

صاحب تجربة طويلة في الإعلام، التجارة، والثقافة.

مؤسس مشروع ثروان؛ رؤية ثقافية وتجارية تهدف إلى إحياء التراث الخليجي بروح عصرية، ووصل الماضي بالحاضر