حين يصبح الجسد بيتًا للكلمة: حوار خاص مع دار جسد للنشر في بغداد
- nourelkomy1245
- قبل 12 دقيقة
- 4 دقيقة قراءة

من بين ضجيج المدن وتعب الحروب، تنهض من بغداد دار نشر تشبه القصيدة في زمنٍ يضج بالنثر.
إنها دار جسد للنشر، التي اختارت أن تجعل من الكلمة جسدًا حيًا، ومن الأدب طريقًا نحو الشفاء.
في هذا الحوار الإنساني الثقافي، نقترب من روح الدار، ونُصغي إلى صوتها الإبداعي ممثلًا بالرئيس التنفيذي أحمد سلام خليل، الذي يحدثنا عن البدايات، والرؤية، والمعارك اليومية في سبيل أن يبقى الكتاب عربيًا، حيًا، ومحبوبًا.
⸻
س: بدايةً، من أين جاءت فكرة تأسيس دار جسد؟ ولماذا هذا الاسم الفلسفي اللافت؟
ج: دار جسد لم تولد من رفاهية، بل من حاجة روحية وثقافية.
كنا نريد دارًا تكون مثل الكائن الحي، تتنفس وتشعر وتعيش مع الكاتب والقارئ.
اخترنا اسم “جسد” لأن الجسد هو الذاكرة، وهو الوعاء الأول لكل ألمٍ وفرحٍ وإنسانية.
كل كتاب نُصدره هو خلية جديدة في هذا الجسد الثقافي العربي الذي نحاول إنعاشه بالحب والمعرفة.
⸻
س: حدثنا عن بدايات التأسيس في بغداد، وما واجهتموه من تحديات؟
ج: البدايات كانت شاقة جدًا.
النشر في العراق مغامرة حقيقية، فالمناخ الاقتصادي والسياسي والثقافي لم يكن سهلًا، لكننا كنا نؤمن أن الأدب مقاومة ضد العدم.
واجهتنا صعوبات التوزيع، والتكاليف، والرقابة أحيانًا، لكننا صمدنا.
في كل مرة كنا نشعر أن القارئ ما زال هناك، ينتظر كتابًا صادقًا، كانت تلك كافية لنتابع الطريق.
⸻
س: شاركتم مؤخرًا في معرض الموصل للكتاب ثم معرض الشارقة الدولي للكتاب، كيف تصفون التجربتين؟
ج: الموصل كانت تجربة استثنائية.
مدينة خرجت من رماد الحرب لتعود إلى الحياة عبر الكتب، وهذه المعاني لا تُنسى.
أما معرض الشارقة، فهو محطة عربية كبرى نفتخر بها.
وجودنا هناك يعكس صورة الأدب العراقي المعاصر في أبهى حلله.
وما أضفى سحرًا على المعرض هذا العام هو مشاركة النجم العالمي ويل سميث، والتي كانت رسالة رمزية عميقة مفادها أن الأدب لا لغة له إلا الإنسانية.
أن ترى نجمًا عالميًا يحتفي بالكتب بين العرب، فذلك يعني أن الثقافة العربية حاضرة في الحوار الكوني.
⸻
س: دار جسد ترتبط بتعاون أدبي مميز مع الكاتبة سلينا السعيد. كيف بدأ هذا التعاون؟
ج: تعرفنا على الكاتبة سلينا السعيد عبر كتاباتها التي تمزج بين الفلسفة والروح، وبين الوجدان والتاريخ.
وجدنا في كتابها “أنثى من تينٍ وزيتون” طاقة نورانية عميقة، تجمع بين التصوف والأنوثة والفكر، كأنه كتاب يُقرأ بالقلب لا بالعين.
أما روايتها “خيمة، خبز، وبطانية” فهي صرخة إنسانية صادقة في وجه اللجوء والمنفى.
تعاوننا معها لأننا وجدنا في قلمها روح دار جسد ذاتها: الكلمة التي تحيا رغم الجرح.
⸻
س: أدب اللجوء حاضر في كثير من كتبكم، وهو جزء من هوية دار جسد. كيف تنظرون إلى هذا اللون الأدبي؟
ج: أدب اللجوء هو أدب الإنسان حين يفقد المكان ويبحث عن المعنى.
هو ليس أدبًا سياسيًا بقدر ما هو تجربة إنسانية عميقة.
نحن نؤمن أن الكاتب اللاجئ لا يكتب فقط عن فقدان وطنه، بل عن بحثه عن ذاته، عن ذاكرته، عن أمّه، عن الخبز والبطانية والسماء.
أدب اللجوء هو أدب الوجود، ولهذا نحمله في قلب مشروعنا الثقافي.
⸻
س: إذا شبّهتم دار جسد بموسيقى، فما اللحن الذي يشبهها؟
ج: دار جسد تشبه الناي العراقي، حزينة كأنها تبكي من عمق التاريخ، لكنها تظل ناعمة في نغمتها.
ربما تشبه مقام “البيات”، فيه دفء الشرق ووجع الذاكرة وصدق الإنسان.
هي موسيقى لا تُصرخ، بل تُهمس… مثل كتاب يُقرأ في عتمة صافية.
⸻
س: ما الكتاب الذي ترك فيكم أثرًا لا يُنسى؟
ج: هناك كتب كثيرة شكلتنا، لكن أقول:
“الخبز الحافي” لمحمد شكري… لأنه كتب من الجرح لا من الخيال.
و”مئة عام من العزلة” لماركيز… لأنها جعلتنا نصدق أن الأدب يمكن أن يصنع عالماً كاملاً.
وفي الشعر، يبقى مظفر النواب والسيّاب مدرسة الروح العراقية التي لا تموت.
⸻
س: تواجه صناعة النشر العربي تحولات كبرى مع صعود العالم الرقمي. كيف تتعامل دار جسد مع هذه المرحلة؟
ج: نحن نرى التكنولوجيا امتدادًا لا تهديدًا.
القارئ الذي يقرأ على شاشة هاتفه اليوم، ربما سيعود غدًا إلى رائحة الورق.
لكن علينا أن نكون حاضرين في العالمين معًا.
نعمل الآن على تطوير منصة رقمية تفاعلية، ليصل الأدب العربي إلى القارئ في أي بقعة في العالم
⸻
س: ما هي رؤيتكم المستقبلية للدار؟
ج: نحلم أن نصبح بيتًا عربيًا جامعًا لكل صوتٍ حر.
نطمح لإطلاق جائزة أدبية باسم “جائزة جسد للأدب الإنساني”، نكرّم فيها من يكتب من أجل الإنسان لا الشهرة.
ونعمل على مشروع ترجمة ضخم لأصوات عربية مدهشة لم تُترجم بعد إلى اللغات الأجنبية.
⸻
س: هل تؤمن دار جسد بفلسفة أو حكمة خاصة؟
ج: نؤمن أن “الكتاب لا يغيّر العالم دفعةً واحدة، لكنه يُنقذ إنسانًا واحدًا في كل مرة”.
وهذا يكفينا.
نؤمن أن الكلمة الطيبة تخلق أثرًا أبديًا، وأن الأدب ليس رفاهية، بل ضرورة روحية تشبه الهواء.
⸻
س: وأخيرًا، ماذا تقولون لقرائكم؟
ج: أقول لهم: لا تتركوا الكتاب.
القراءة ليست ترفًا، بل مقاومة ضد النسيان.
ومن يقرأ، لا يموت.
إلى الكاتبة سلينا السعيد أقول: نحن نؤمن أن ما يربطنا أكبر من عقد نشر، إنه عقد وجداني بين كاتبة تشبه الزيتون ودار تشبه النهر.
معًا نؤمن أن الكلمة يمكن أن تُنقذ العالم، ولو من الحزن.
⸻
خاتمة:
حين يلتقي الأدب العراقي بعطر الزيتون الفلسطيني، تُولد الحكاية من جديد.
هكذا هي دار جسد للنشر: بيت من الحبر والعاطفة، يضم كتّابًا يرسمون وجوه العالم بالحروف.
من بغداد إلى الشارقة، من الموصل إلى المنفى، تبقى الكلمة الجسد الوحيد الذي لا يموت.
و من بغداد، حيث تتقاطع الحكايات مع التاريخ وتتعانق الأرواح بين الرافدين، هناك دار نشر تحمل اسمًا يُثير الدهشة ويُحرّك الأسئلة: “منشورات جسد”.
اسم يبدو في ظاهره جسديًا، لكنه في جوهره عميق، روحاني، إنساني — كما لو أن الكتاب نفسه جسدٌ، والقراءة روحه.
في هذا الحوار الخاص، حاورنا الأستاذ أحمد سلام في المدينة التي علّمت العرب أول الحروف وأول الحنين.


تعليقات